بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد، و ارحمني إذا انقطع من الدّنيا أثري و انمحى من المخلوقين ذكري و صرت من المنسيّين كمن قد نسي قبلي.

إلهي! كبرت سنّي و رقّ جلدي و دقّ عظمي و نال الدّهر منّي و اقترب أجلي و نفدت أيّامي و ذهبت شهوتي و بقيت تبعتي و انمحت محاسني و بلي جسمي و تقطّعت أوصالي و تفرّقت أعضائي.

إلهي! أفحمتني ذنوبي و قطّعت مقالتي فلا حجّة لي و لا عذر؛ فأنا المقرّ بجرمي، المعترف بإساءتي، الأسير بذنبي، المرتهن بعملي، المتهوّر في بحور خطيئتي، المتحيّر عن قصدي، المنقطع بي؛ فصلّ على محمّد و آل محمّد، و ارحمني برحمتك، و تجاوز عنّي بمغفرتك.

إلهي! إن كان صغر في جنب طاعتك عملي فقد كبر في جنب رجائك أملي.

إلهي! كيف أنقلب بالخيبة من عندك محروما و قد كان ظنّي بجودك أن تقلّبني بالنّجاة مرحوما.

إلهي! لم اسلّط على حسن ظنّي بك قنوط الآيسين؛ فلا تبطل صدق رجائي لك بين الآملين.

إلهي! عظم جرمي إذ كنت المبارز به، و كبر ذنبي إذ كنت المطالب به إلّا أنّي إذا ذكرت كبر جرمي و عظم غفرانك وجدت الحاصل لي من بينهما عفو رضوانك.

إلهي! إن دعاني إلي النّار بذنبي مخشيّ عقابك فقد ناداني إلي الجنّة بالرّجاء حسن ثوابك.

إلهي! إن أوحشتني الخطايا عن محاسن لطفك فقد آنستني باليقين مكارم عطفك.

إلهي! إن أنامتني الغفلة عن الاستعداد للقائك فقد أنبهتني المعرفة يا سيّدي بكريم آلائك.

إلهي! إن عزب لبّي عن تقويم ما يصلحني فما عزب إيقاني بنظرك لي فيما ينفعني.

إلهي! إن انقرضت بغير ما أحببت من السّعي أيّامي فبالإيمان أمضتها الماضيات من أعوامي.

إلهي! جئتك ملهوفا قد ألبست عدم فاقتي و أقامني مقام الأذلّاء بين يديك ضرّ حاجتي.

إلهي! كرمت، فأكرمني إذ كنت من سوّالك؛ و جدت بالمعروف، فألحقني بأهل نوالك.

إلهي! مسكنتي لا يجبرها إلّا عطاؤك، و امنيّتي لا يغنيها إلّا جزاؤك.

إلهي! أصبحت على باب من أبواب منحك سائلا و عن التعرّض لسواك‏ بالمسألة عادلا؛ و ليس من جميل ردّ سائل ملهوف و مضطرّ لانتظار خيرك مألوف.

إلهي! أقمت نفسي على قنطرة الأخطار مبلوّا بالأعمال و الإعتبار؛ فأنا الهالك إن لم تعن عليها بتخفيف الأوزار.

إلهي! أ من أهل الشّقاء خلقتني فاطيل بكائي أم من أهل السّعادة خلقتني فابشّر رجائي.

إلهي! إن حرمتني رؤية محمّد صلّي اللَّه عليه و آله في دار السّلام و أعدمتني طواف الوصفاء من الخدّام و صرفت وجه تأميلي بالخيبة في دار المقام فغير ذلك منّتني نفسي منك يا ذا الفضل و الإنعام.

إلهي! و عزّتك لو قرنتني في الأصفاد طول الأيّام، و منعتني سيبك من بين الأنام، و دللت على فضايحي عيون الأشهاد، و حلت بيني و بين الأبرار ما قطعت رجائي منك، و لا صرفت وجه انتظاري للعفو عنك.

إلهي! لو لم تهدني للإسلام ما اهتديت؛ و لو لم ترزقني الإيمان بك ما آمنت؛ و لو لم تطلق لساني بدعائك ما دعوت؛ و لو لم تعرّفني حلاوة معرفتك ما عرفت؛ و لو لم تبيّن لي شديد عقابك ما استجرت.

إلهي! أطعت في أحبّ الأشياء إليك و هو التّوحيد و لم أعصك في أبغض الأشياء إليك و هو الكفر؛ فاغفر لي ما بينهما.

إلهي! أحبّ طاعتك و إن قصرت عنها، و اكره معصيتك و إن ركبتها؛ فتفضّل علي بالجنّة و إن لم أكن أهلها؛ و خلّصني من النّار و إن كنت استوجبتها.

إلهي! إن أقعدني التّخلّف عن السّبق مع الأبرار فقد أقامتني الثّقة بك على مدارج الأخبار.

إلهي! قلب حشوته من محبّتك في دار الدّنيا كيف تطّلع عليه نار محرقة في لظى؟

إلهي! نفس أعززتها بتأييد إيمانك كيف تذلّها بين أطباق نيرانك؟

الهي! لسان كسوته من تماجيدك أنيق أثوابها كيف تهوي إليه من النّار مشعلات التهابها؟

إلهي! كلّ مكروب إليك يلتجئ، و كلّ محزون إيّاك يرتجي.

إلهي! سمع العابدون بجزيل ثوابك فخشعوا؛ و سمع الزّاهدون بعظيم جزائك فقنعوا؛ و سمع المذنبون بسعة رحمتك فرغبوا؛ و سمع المولّون عن القصد بجودك فرجعوا؛ و سمع المجرمون بكرم عفوك فطمعوا حتّي ازدحمت عصائب العصاة من عبادك و عجّت إليك منهم عجيج الضّجيج بالدّعاء في بلادك و لكلّ أمل ساق صاحبه إليك محتاجا و لكلّ قلب تركه و جيب خوف المنع منك مهتاجا و أنت المسئول الّذي لا تسودّ لديه وجوه المطالب و لم تزر بنزيله قطيعات المعاطب.

إلهي! إن أخطأت طريق النّظر لنفسي بما فيه كرامتها فقد أصبت طريق الفزع إليك بما فيه سلامتها.

إلهي! إن كانت نفسي استسعدتني متمرّدة على ما يرديها فقد استسعدتها الآن بدعائك على ما ينجيها.

إلهي! إن عداني الاجتهاد في ابتغاء منفعتي فلم يعدني برّك بما فيه مصلحتي.

إلهي! إن قسطت في الحكم على نفسي بما فيه حسرتها فقد أقسطت الآن بتعريفي إيّاها من رحمتك إشفاق رأفتها.

إلهي! إن أجحف بي قلّة الزّاد في المسير إليك فقد وصلته بذخائر ما أعددته‏ من فضل تعويلي عليك.

إلهي! إذا ذكرت رحمتك ضحكت إليها وجوه وسائلي؛ و إذا ذكرت سخطتك بكت لها عيون مسائلي.

إلهي! فأفض بسجل من سجالك على عبد قد أيبس ريقه متلف الظّمأ، و أمت بجودك عنه كلالة الوني.

إلهي! أدعوك دعاء من لم يرج غيرك بدعائه؛ و أرجوك رجاء من لم يقصد غيرك برجائه.

إلهي! كيف أردّ عارض تطلّعي إلي نوالك و إنّما أنا في استرزاقي لهذا البدن أحد عيالك؟! إلهي! كيف أسكت بالأفحام لسان ضراعتي و قد أقلقني ما أبهم علي من مصير عاقبتي.

إلهي! قد علمت حاجة نفسي إلي ما تكلّفت لي به من الرّزق في حياتي و عرفت قلّة استغنائي عنه من الجنّة بعد وفاتي؛ فيا من سمح لي به متفضّلا في العاجل لا تمنعنيه يوم فاقتي إليه في الأجل؛ فمن شواهد نعماء الكريم استتمام نعمائه؛ و من محاسن آلاء الجواد استكمال آلائه.

إلهي! لو لا ما جهلت من أمري ما شكوت عثراتي، و لو لا ما ذكرت من التّفريط ما سفحت عبراتي.

إلهي! صلّ على محمّد و آل محمّد، و امح متعبات العثرات بمرسلات العبرات؛ و هب لي كثير السّيّئات لقليل الحسنات‏ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ‏.

إلهي! إن كنت لا ترحم إلّا المجدّين في طاعتك فإلي من يفزع المقصّرون؛ و إن كنت لا تقبل إلّا من المجتهدين فإلي من يلتجئ المفرّطون؛ و إن كنت لا تكرم‏

إلّا أهل الإحسان فكيف يصنع المسيئون؛ و إن كان لا يفوز يوم الحشر إلّا المتّقون فبمن يستغيث المذنبون؟

إلهي! و إن كان لا يجوز على الصّراط إلّا من أجازته براة عمله فأنّي بالجواز لمن لم يتب إليك قبل انقضاء أجله.

إلهي! إن لم تجد إلّا من عمر بالزّهد مكنون سريرته فمن للمضطرّ الّذي لم يرضه بين العالمين سعي تقيّته.

إلهي! إن حجبت عن موحّديك نظر تغمّدك لجناياتهم أوقعهم غضبك بين المشركين في كرباتهم.

إلهي! إن تنلنا يد إحسانك يوم الورود اختلطنا في الجزاء بذوي الجحود.

إلهي! فأوجب لنا بالإسلام مذخور هباتك، و استصف ما كدّرته الجرائر منّا بصفو صلاتك.

إلهي! ارحمنا غرباء إذا تضمّنتنا بطون لحودنا و غمّيت باللّبن سقوف بيوتنا؛ و أضجعنا مساكين على الأيمان في قبورنا؛ و خلّفنا فرادي في أضيق المضاجع و صرعتنا المناديا في أعجب المصارع و صرنا في ديار قوم كأنّها مأهولة و هي منهم بلاقع.

إلهي! و إذا جئناك عراة حفاتا مغبّرة من ثري الأجداث رءوسنا، و شاحبة من تراب الملاحيد وجوهنا، و خاشعة من أهوال القيامة أبصارنا، و ذابلة من شدّة العطش شفاهنا، و جائعة لطول المقام بطوننا، و بادية هنالك للعيون سوآتنا، و موصرة من ثقل الأوزار ظهورنا، و مشغولين بما قد دهانا عن أهالينا و أولادنا؛ فلا تضاعف المصائب علينا بإعراض وجهك الكريم عنّا و سلب عايدة ما مثّله الرّجاء منّا.

إلهي! ما حنّت هذه العيون إلي بكائها، و لا جادت متسربة بمائها، و لا أسهرها بنحب الثّاكلات فقد عزائها إلّا ما أسلفته من عمدها و خطائها، و ما دعاها إليه عواقب بلائها و أنت القادر يا عزيز على كشف غمّائها.

إلهي! إن كنّا مجرمين فإنّا نبكي على إضاعتنا من حرمتك ما نستوجبه؛ و إن كنّا محرومين فإنّا نبكي إذا فاتنا من جودك ما نطلبه.

إلهي! شب حلاوة ما يستعذبه لساني من المنطق في بلاغته بزهادة ما يرفعه قلبي من النّصح في دلالته.

إلهي! أمرت بالمعروف و أنت أولي به المأمورين؛ و أمرت بصلة السّؤال و أنت خير المسئولين.

إلهي! كيف ينتقل بنا اليأس عن الإمساك عمّا لهجنا بطلابه و قد إدّرعنا من تأميلنا إيّاك أسبغ أثوابه.

إلهي! إذا هزّت الرّهبة أفنان مخافتنا انقلعت من الأصول أشجارها؛ و إذا تنسّمت أرواح الرّغبة أغصان رجائنا أينعت بتلقيح البشارة أثمارها.

إلهي! إذا تلونا من صفاتك «شديد العقاب» أسفنا؛ و إذا تلونا منها «الغفور الرّحيم» فرحنا؛ فنحن بين أمرين؛ فلا سخطتك تؤمننا، و لا رحمتك تؤيسنا.

إلهي! إن قصرت مساعينا عن استحقاق نظرتك فما قصرت رحمتك بنا عن دفاع نقمتك.

إلهي! إنّك لم تزل بحظوظ صنايعك علينا منعما و لنا من بين الأقاليم مكرما و تلك عادتك اللّطيفة في أهل الحنيفيّة في سالفات الدّهور و غابراتها و خاليات اللّيالي و باقياتها.

إلهي! فاجعل ما حبوتنا به من نور هدايتك درجات نرقي بها إلي غرفات‏ جنّتك.

إلهي! كيف تفرح بصحبة الدنيا صدورنا؟! و كيف تلتأم في غمراتها أمورنا؟! و كيف يخلص لنا فيها سرورنا؟! و كيف يملكنا باللهو و اللعب غرورنا و قد دعتنا باقتراب الآجال قبورنا؟! إلهي! كيف نبتهج بدار قد حفرت فيها حفائر صرعتها، و قتلتنا بأيدي المنايا حبائل غدرتها، و جرّعتنا مكرهين جرع مرارتها، و دلّتنا النّفس على انقطاع عيشتها لو لا ما أصغت إليه النّفوس من رفائغ لذّتها و افتتانها بالفانيات من فواحش زينتها.

إلهي! فإليك نلتجئ من مكائد خدعتها؛ و بك نستعين على عبور قنطرتها؛ و بك نستفطم الجوارح من أخلاف شهوتها؛ و بك نستكشف من جلابيب حيرتها؛ و بك نقوّم من القلوب استصعاب جهالتها.

إلهي! كيف للدّور بأن تمنع من فيها من طوارق الرّزايا و قد أصيب في كلّ دار سهم من أسهم المنايا.

إلهي! ما نتفجع أنفسنا من النقلة عن الدّيار إن لم توحشنا هنالك من مرافقة الأبرار.

إلهي! ما تضرّنا فرقة الإخوان و القرابات إن قربتنا منك يا ذا العطيات.

إلهي! ما تجفّ من ماء الرجال مجاري لهواتنا إن لم تحم طير الأشايم بحياض رغباتنا.

إلهي! إن عذّبتني فعبد خلقته لما أردته فعذّبته بعدلك؛ و إن رحمتني فعبد وجدته مسيئا فأنجيته برحمتك.

إلهي! لا سبيل إلي الاحتراس من الذّنب إلّا بعصمتك، و لا وصول إلي عمل‏

الخيرات إلّا بمشيّتك؛ فكيف لي بإفادة ما اسلمتني فيه مشيتك؟! و كيف لي بالاحتراس من الذّنب ما لم تدركني فيه عصمتك؟! إلهي! أنت دللتني على سؤال الجنّة قبل معرفتها؛ فأقبلت النّفس بعد العرفان على مسألتها. أ فتدلّ على خيرك السؤال ثمّ تمنعهم النّوال و أنت المحمود في كلّ ما تصنعه يا ذا الجلال؟

إلهي! إن كنت غير مستأهل لما أرجو من رحمتك فأنت أهل أن تجود على المذنبين بفضل سعتك.

إلهي! إن كان ذنبي قد أخافني فإنّ حسن ظنّي بك قد أجارني.

إلهي! كأنّي بنفسي قائمة بين يديك و قد أضلّها حسن توكّلي عليك؛ فصنعت بي ما يشبهك و تغمّدتني بعفوك.

إلهي! ما أشوقني إلي لقائك و أعظم رجائي لجزائك و أنت الكريم الّذي لا يخيب لديك أمل الآملين و لا يبطل عندك شوق الشّائقين.

إلهي! إن كان قد دنا أجلي و لم يقرّبني منك عملي فقد جعلت الاعتراف بالذّنب إليك وسائل عللي.

إلهي! إن عفوت فمن أولي منك بذلك؟! و إن عذّبت فمن أعدل في الحكم منك هنالك؟! إلهي! إنّي جرت على نفسي في النّظر إليها و بقي نظرك لها؛ فالويل لها إن لم تسلم به.

إلهي! إنّك لم تزل بي بارّا أيّام حياتي؛ فلا تقطع برّك عنّي بعد وفاتي.

إلهي! كيف أياس من حسن نظرك لي بعد مماتي و أنت لم تولّني إلّا الجميل أيّام حياتي.

إلهي! إنّ ذنوبي قد أخافتني و محبّتي لك قد أجارتني؛ فتولّ من أمرك بي ما أنت أهله، و عد بفضلك علي من غمره جهله يا من لا تخفي عليه خافية و لا تغيب عنه غائبة.

صلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفر لي ما قد خفي على النّاس من أمري.

إلهي! سترت علي في الدّنيا ذنوبا و لم تظهرها لعصابة من المؤمنين و أنا إلي سترها يوم القيامة أحوج و قد أحسنت بي إذا لم تظهرها للعصابة من المسلمين؛ فلا تفضحني بها يوم القيامة على رؤوس العالمين.

إلهي! جودك بسط أملي و شكرك قبل عملي؛ فصلّ على محمّد و آل محمّد، و سرّني بلقائك عند اقترب أجلي.

إلهي! ليس اعتذاري إليك اعتذار من يستغني عن قبول عذره؛ فاقبل عذري يا خير من اعتذر إليه المسيئون.

إلهي! لا تردّني عن حاجة قد أفنيت عمري في طلبها منك.

إلهي! و عزّتك لئن طالبتني بجرمي لأطالبنّك بعفوك؛ و لئن و اخذتني بجهلي لاطالبنّك بحلمك؛ و لئن جازيتني بلؤمي لأطالبنّك بكرمك؛ و لئن أدخلتني النّار لأعرّفنّ أهلها أنّي كنت أحبّك.

إلهي! إنّك لو أردت إهانتي لم تهدني؛ و لو أردت فضيحتي لم تسترني؛ فمتّعني بما له هديتني و أدم لي ما به سترتني.

إلهي! ما وصفت من بلاء أبليتنيه أو إحسان أوليتنيه؛ فكلّ ذلك بمنّك ممّا قد فعلته و عفوك تمام ذلك إن أتممته.

إلهي! لو لا ما اقترفت من الذّنوب ما فرقت عقابك: و لو لا ما عرفت من كرمك ما رجوت ثوابك و أنت أولي الأكرمين بتحقيق أمل الآملين و أرحم من استرحم‏ في تجاوزه عن المذنبين.

إلهي! نفسي تمنّيني بأنّك تغفر لي؛ فأكرم بها أمنيّة بشّرت بعفوك؛ و صدّق بكرمك مبشّرات تمنّيها؛ وهب لها بجودك مدمّرات تجنّيها.

إلهي! القتني الحسنات بين جودك و كرمك و القتني السّيّئات بين عفوك و مغفرتك و قد رجوت أن لا يضيع بين ذين و ذين مسي‏ء و محسن.

إلهي! إذا شهد إيماني بتوحيدك، و انطلق لساني بتمجيدك، و دلّني القرآن على فواضل جودك، فكيف لا يبتهج رجائي بحسن موعودك؟

إلهي! تتابع إحسانك إلي يدلّني على حسن نظرك، فكيف يشقي امرؤ حسن له منك النّظر؟

إلهي! إن نظرت إلي بالهلكة عيون سخطتك فما نامت عن استنقاذي منها عيون رحمتك.

إلهي! إن عرّضني ذنبي لعقابك فقد أنادني رجائي لك من ثوابك.

إلهي! ان عفوت فبفضلك، و إن عذّبت فبعدلك؛ فيا من لا يرجي إلّا فضله و لا يخشي إلّا عدله صلّ على محمّد و آل محمّد، و امنن علينا بفضلك، و لا تستقص علينا في عدلك.

إلهي! خلقت لي جسما و جعلت فيه آلات أطيعك بها و أعصيك و أغضبك بها و أرضيك و جعلت لي من نفسي داعية إلي الشّهوات و أسكنتني دارا قد ملئت من الآفات ثمّ قلت لي انزجر.

إلهي! بك أنزجر و بك أعتصم فاعصمني؛ و بك أحترز من الذّنوب فاحفظني؛ و بك أتسجير من النّار فأجرني؛ و أستوفقك لما يرضيك؛ و أسألك فإنّ سؤالي لا يحفيك. أدعوك دعاء ملحّ لا يملّ دعاءه مولاه، و أتضرّع إليك ضراعة من‏ قد أقرّ على نفسه بالحجّة في دعواه.

إلهي! لو عرفت اعتذارا من الذّنب في التنصّل أبلغ من الاعتراف به لأتيته؛ و لو عرفت مجتلبا لحاجتي منك ألطف من الاستخداء لك لفعلته؛ فصلّ على محمّد و آل محمّد، و هب لي ذنبي بالاعتراف، و لا تردّني في طلبتي بالخيبة عند الانصراف.

إلهي! سعت نفسي إليك لنفسي تستوهبها؛ و فتحت أفواه آمالها نحو نظرة منك برحمة لا تستوجبها؛ فهب لها ما سألت و جد لها بما طلبت؛ فإنّك أكرم الأكرمين بتحقيق أمل، و أرحم من استرحم في تجاوزه عن المذنبين.

إلهي! قد أصبت من الذّنوب ما قد عرفت؛ و أسرفت على نفسي بما قد علمت؛ فاجعلني عبدا إمّا طائعا فأكرمته و امّا عاصيا؛ فرحمته.

إلهي! كأنّي بنفسي قد أضجعت في حفرتها و انصرف عنها المشيّعون من حيرتها؛ و بكي الغريب عليها لغربتها؛ و جاد بالدّموع عليها المشفقون من عشيرتها؛ و ناداها من شفير القبر ذوو مودّتها؛ و رحمها المعادي لها في الحياة عند صرعتها؛ و لم يخف على الناظرين إليها عند ذلك عدم فاقتها؛ و لا على من رآها قد توسّدت الثّري عجز حيلتها؛ فقلت: ملائكتي فريد قد ني عنه الأقربون؛ و وحيد جفاه الأهلون؛ نزل بي قريبا و أصبح في اللّحد غريبا و قد كان لي في دار الدّنيا داعيا و لنظرتي له في هذا اليوم راجيا؛ فتحسن عند ذلك ضيافتي و تكون أشفق على من أهلي و قرابتي.

إلهي! لو طبقت ذنوبي ما بين‏ السَّماءِ إِلَي الْأَرْضِ‏؛ و خرقت التّخوم و بلغت أسافل الثّري ما ردّني اليأس عن توقّع غفرانك و لا صرفني القنوط عن انتظار رضوانك.

إلهي! دعوتك بالدّعاء الّذي علّمتنيه؛ فلا تحرمني جزائك الّذي وعدتنيه؛ فمن النعمة أن هديتني بحسن دعائك و من تمامها أن توجب لي محمود جزائك.

إلهي! و عزّتك و جلالك لقد أحببتك محبّة استقرّت حلاوتها في قلبي و صدري؛ و ما تنعقد ضمائر موحّديك على أنّك تبغض محبيك.

إلهي! لا تشبه مسألتي مسائل السّائلين؛ لأنّ السّائل إذا منع امتنع من السّؤال و أنا لا غني بي عمّا سألتك على كلّ حال.

إلهي! لا تغضب علي؛ فلست أقوي على غضبك؛ و لا تسخط علي فلست أقوم لسخطك.

إلهي! أخاف عقوبتك كما يخافها المذنبون؛ و أنتظر عفوك كما ينتظره المجرمون؛ و لست آيس من رحمتك الّتي يتوقّعها المحسنون.

إلهي! أ للنّار ربّتني أمّي فليتها لم تربّني أم للشّقاء ولدتني فليتها لم تلدني.

إلهي! انهملت عبراتي حين ذكرت عثراتي و ما لها لا تنهمل؛ و ما أدري إلي ما يكون مصيري و على ما ذا يهجم عند البلاغ مسيري؛ و أري نفسي تخاتلني و أيّامي تخادعني؛ و قد خفقت فوق رأسي أجنحة الموت و رمقتني من قريب أعين الفوت؛ فما عذري و قد حشا مسامعي رافع الصّوت.

إلهي! قد رجوت ممّن تولّاني في حياتي بإحسانه أن يتغمّدني عند وفاتي بغفرانه؛ و لقد رجوت ممّن ألبسني بين الأحياء ثوب عافيته أن لا يعريني منه بين الأموات بجود رأفته.

إلهي! أمرتني فقصّرت؛ و نهيتني فركبت؛ فهذه يدي بما جنت؛ و هذه ناصيتي بما أتت؛ إن تعذّبني فلك السّبيل و إن تعف عنّي فإنّك‏ أَهْلُ التَّقْوي‏ وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ.

يا أرحم الرّاحمين! يا أنيس كلّ غريب! آنس في القبر غربتي؛ و يا ثاني كلّ‏

وحيد! ارحم في القبر وحدتي؛ و يا عالم السّرّ و النّجوي! و يا كاشف الضّرّ و البلوي! كيف نظرك لي من بين سكّان الثّري و كيف صنيعك إلي في دار الوحشة و البلي فقد كنت بي لطيفا أيّام حياة الدّنيا. يا أفضل المنعمين في نعمائه و أنعم المفضلين في آلائه! إلهي! كثرت أياديك عندي؛ فعجزت عن إحصائها؛ و ضقت ذرعا في شكري لك بجزائها؛ فلك الحمد على ما أوليت و لك الشّكر على ما أبليت؛ يا خير من دعاه داع و أفضل من رجاه راج! فبذمّة الإسلام أتوسّل إليك و بحرمة القرآن أعتمد عليك و بمحمّد و آل محمّد أتشفّع إليك؛ صلّ على محمّد و آل محمّد و أعرف لي ذمّتي الّتي بها رجوت قضاء حاجتي و ارحمني برحمتك يا قريب! يا مجيب! إنّك على كلّ شي‏ء قدير و بكلّ شي‏ء محيط؛ يا أرحم الرّاحمين!





المصدر:
الصحيفة العلوية