وقد دبّرت السلطة الحاكمة آنذاك مؤامرة لقتل الإمام عليه السلام ولكنّها لم تنجح ، فقد روي : أنّ أبا سعيد قال : حدثنا أبو العباس فضل بن أحمد بن إسرائيل الكاتب ونحن بداره بسُرّ مَن رأى فجرى ذكر أبي الحسن عليه السلام فقال : يا أبا سعيد أحدثك بشيء حدثني به أبي ؟ قال : كنّا مع المنتصر وأبي كاتبه فدخلنا والمتوكل على سريره فسلّم المنتصر ووقف ووقفت خلفه ، وكان إذا دخل رحّب به وأجلسه ، فأطال القيام وجعل يرفع رجلاً ويضع أخرى وهو لا يأذن له في القعود ورأيت وجهه يتغيّر ساعة بعد ساعة ويقول للفتح بن خاقان : هذا الذي يقول فيه ما تقول ؟ ويرد عليه القول ، والفتح يسكته ويقول : هو مكذوب عليه ، وهو يتلظّى ويستشيط ويقول : والله لأقتلنّ هذا المرائي الزنديق وهو يدّعي الكذب ويطعن في دولتي .

ــــــــــــــ

(١) رواه الصدوق في الخصال : ٣٩٤ ومعالي الأخبار : ١٣٥ وكمال الدين ط النجف الأشرف : ٣٦٥ و ط الغفاري : ٣٨٢ ح٩ ب ٣٧ وعنه الطبرسي في إعلام الورى : ٢/٢٤٥ وعن الخصال وعلل الشرائع في بحار الأنوار : ٥٠/١٩٤ .


ثم طلب أربعة من الخزر أجلافاً ودفع إليهم أسيافاً ، وأمرهم أن يقتلوا أبا الحسن إذا دخل ، وقال : والله لأحرقنه بعد قتله ، وأنا قائم خلف المنتصر من وراء الستر ، فدخل أبو الحسن وشفتاه تتحرّكان وهو غير مكترث ولا جازع ، فلمّا رآه المتوكل رمى بنفسه عن السرير إليه ، وانكب عليه يقبّل بين عينيه ويديه ، وسيفه شقه بيده وهو يقول : يا سيدي يا بن رسول الله يا خير خلق الله يا بن عمّي يا مولاي يا أبا الحسن .

وأبو الحسن عليه السلام يقول :أعيذك يا أمير المؤمنين من هذا .

فقال : ما جاء بك يا سيدي في هذا الوقت ؟ قال :جاءني رسولك .

قال : كذب ابن الفاعلة .

فقال له : ارجع يا سيدي ، يا فتح يا عبيد الله يا منتصر شيّعوا سيّدكم وسيدي ، فلمّا بصر به الخزر خرّوا سجّداً ، فدعاهم المتوكل وقال : لِمَ لم تفعلوا ما أمرتكم به ؟ قالوا : شدّة هيبته ، ورأينا حوله أكثر من مائة سيف لم نقدر أن نتأمّلهم ، وامتلأت قلوبنا من ذلك .


فقال : يا فتح هذا صاحبك وضحك في وجهه .

وقال : الحمد لله الذي بيّض وجهه وأنار حجّته(١) .

إنّ هذا النص قد كشف لنا بوضوح عن كل نوازع المتوكل التي تدور حول القتل والحرق للإمام عليه السلام فضلاً عن الاتّهام بالزندقة والطعن في دولته .

والمتوكّل بعد كل هذه المحاولات التي باءت بالفشل لم يهدأ له بال وهو يريد إذلال الإمام عليه السلام بأيّ نحوٍ كان ، من هنا بادر في يوم الفطر ـ وفي السنة التي قُتل فيها ـ إلى الأمر بالترجّل والمشي بين يديه قاصداً بذلك أن يترجّل الإمام الهادي عليه السلام بين يديه ، فترجّل الإمام عليه السلام كسائر بني هاشم واتكأ على رجل من مواليه فأقبل عليه الهاشميون وقالوا : يا سيّدنا ما في هذا العالم أحد يستجاب دعاؤه ويكفينا الله به من تعزّر هذا ؟ قال لهم أبو الحسن عليه السلام : في هذا العالم مَن قلامة ظفره أكرم على الله من ناقة ثمود ، لمّا عقرت الناقة صاح الفصيل إلى الله تعالى ، فقال الله سبحانه : ( تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ) (٢) .