وفي سنة (٢٣٠ هـ) أغار الأعراب من بني سليم على المدينة ونهبوا الأسواق وقتلوا النفوس ، ولم يفلح حاكم المدينة في دفعهم حتى ازداد شرّهم واستفحل ؛ فوجّه إليهم الواثق بغا الكبير ففرّقهم وقتل منهم وأسر آخرين وانهزم الباقون(٣) .

وللإمام حين ورود بغا بجيشه إلى المدينة موقف تجدر الإشارة إليه ، فإنّ أبا هاشم الجعفري يقول : كنت بالمدينة حين مّر بها بغا أيّام الواثق في طلب الأعراب .

ــــــــــــــ

(١) تاريخ الخلفاء : ٣٤٣ ـ ٣٤٥ .

(٢) الكامل في التاريخ : ٥/٢٦٩ .

(٣) الكامل في التاريخ : ٥/٢٧٠ .


فقال أبو الحسن عليه السلام : اخرجوا بنا حتى ننظر إلى تعبئة هذا التركي .

فخرجنا فوقفنا فمرّت بنا تعبئته فمرّ بنا تركي فكلّمه أبو الحسن عليه السلام بالتركية فنزل عن فرسه فقبّل حافر دابته ، قال ( أبو هاشم ) فحلّفت التركي وقلت له : ما قال لك الرجل ؟ فقال : هذا نبيّ ؟ قلت : ليس هذا بنبيّ .

قال : دعاني باسم سُمّيت به في صغري في بلاد الترك ما علمه أحد الساعة(١) .

وهذه الوثيقة التاريخية تتضمّن بيان مجموعة من فضائل الإمام الهادي عليه السلام وكمالاته واهتماماته العسكرية والتربوية لأصحابه ، وتشجيعه لبغا الذي واجه هذا الهجوم التخريبي للأعراب على مدينة الرسول صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم .

وبالإضافة إلى كرامات الإمام عليه السلام المتعدّدة لا تستبعد أن يكون الإمام عليه السلام قد استفاد من هذه الفرصة لكسب فرد في جيش بغا إذ بإمكانه أن يكون حامل صورة ايجابية ورسالة خاصة عن الإمام عليه السلام يمكنه إيصالها في الموقع المناسب إلى قائده بغا .

وسوف نرى مواقف خاصة لبغا تجاه الإمام الهادي عليه السلام في المستقبل الذي ينتظره ، فضلاً عن موقف له مع أحد الطالبيين بعد أن حاول قتل عامل المعتصم فتمرّد بغا على أمر المعتصم ولم يُلق هذا الطالبي إلى السباع(٢) .

ومن هنا قال المسعودي عنه : كان بغا كثير التعطّف والبر على الطالبيين .

ــــــــــــــ

(١) أعلام الورى : ٣٤٣ .

(٢) مروج الذهب : ٤/٧٦ .