إن حركة الإنسان في المجتمع تشتدّ بمقدار تجذّره وتأثيره في ذلك المجتمع، لذلك توجّه الإمام الجواد عليه السلام إلى توضيح المفاهيم المتصلة بالنشاط الإسلامي للطليعة المؤمنة، وفيما يأتي نذكر بعضاً من هذه المفاهيم:

١ ـ كلما ترسخ مركز الإنسان في المجتمع ازداد توجه الناس إليه وطلبهم منه في قضاء حوائجهم وحل مشاكلهم. روى الإمام الجواد عليه السلام عن أجداده عن الإمام علي عليه السلام :(ما عظمت نعمة الله على عبد إلاّ عظمت عليه مؤونة الناس، فمن لم يحتمل تلك المؤونة فقد عرّض النعمة للزوال) (٣) .

٢ ـ بقاء نعمة الإنسان واستمرار موقعه في الأمة مقترن بدرجة إحسانه إليها وخدمته لها، فقد روى الإمام عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام :(إن لله عباداً يخصهم

ـــــــــ

(١) تحق العقول: ٤٥٥ ـ ٤٥٦.

(٢) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٥٧.

(٣) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٧٦.


بالنعم، ويقرّها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها عنهم وحوّلها إلى غيرهم) (١) . وقال عليه السلام :(أهل المعروف إلى اصطناعه أحوج من أهل الحاجة إليه، لأن لهم أجره وفخره وذكره، فمهما اصطنع الرجل من معروف فإنما يبدأ فيه بنفسه، فلا يطلبنّ شكر ما صنع إلى نفسه من غيره) (٢) .

٣ ـ ضرورة مجازاة المحسن بالشكر، يقول عليه السلام راوياً عن أمير المؤمنين عليه السلام :(كفر النعمة داعية المقت ومن جازاك بالشكر فقد أعطاك أكثر مما أخذ منك) (٣) .

٤ ـ كما أن الإمام عليه السلام بيّن طرق تحسين العلاقة بين الناس وأصول التعامل بين الأصدقاء فقد روى عن جدّه أمير المؤمنين عليه السلام :(ثلاث خصال تجتلب بهن المحبة: الإنصاف في المعاشرة، والمواساة في الشدّة، والانطواع والرجوع إلى قلب سليم) (٤) .

وقال عليه السلام :(لا يفسدك الظنّ على صديق وقد أصلحك اليقين له، ومن وعظ أخاه سرّاً فقد زانه، ومن وعظ علانية فقد شانه. استصلاح الأخيار بإكرامهم، والأشرار بتأديبهم، والمودّة قرابة مستفادة، وكفى بالأجل حرزاً، ولا يزال العقل والحمق يتغالبان على الرجل إلى ثمانية عشر سنة، فإذا بلغها غلب عليه أكثرهما فيه، وما أنعم الله عزَّ وجلَّ على عبد نعمة فعلم أنها من الله إلاّ كتب الله جلّ اسمه له شكرها قبل أن يحمده عليها، ولا أذنب ذنباً فعلم أن الله مطّلع عليه إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، إلاَّ غفر الله له قبل أن يستغفره) (٥) .

ـــــــــ

(١) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٧٦.

(٢) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣/٢٧٦.

(٣) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٨٠.

(٤) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٧٩.

(٥) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٨٠.


٥ ـ كما شدّد عليه السلام على ضرورة اختيار القرين الصالح لما يورثه من اثر على المرء، فقد روى عليه السلام :(فساد الأخلاق بمعاشرة السفهاء، وصلاح الأخلاق بمنافسة العقلاء، والخلق أشكال فكل يعمل على شاكلته، والناس إخوان، فمن كانت إخوته في غير ذات الله فإنها تحوز عداوة، وذلك قوله تعالى: ( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ) (١) ) (٢) .

فإذا حصل المرء على الأخ المخلص في الله فانه فاز بشيء عظيم وينبغي له مشاورته واستنصاحه. روى الإمام الجواد عليه السلام عن علي عليه السلام قال:(بعثني النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم إلى اليمن، فقال لي وهو يوصيني: (ياعلي، ما حار من استخار، ولا ندم من استشار) ، وقال عليه السلام :(من استفاد أخاً في الله فقد استفاد بيتاً في الجنة) (٣) .