وجُهّز بدن الإمام عليه السلام فغسّل وأدرج في أكفانه، وبادر الواثق والمعتصم فصليا عليه(١) ، وحمل الجثمان العظيم إلى مقابر قريش، وقد احتفت به الجماهير الحاشدة، فكان يوماً لم تشهد بغداد مثله فقد ازدحمت عشرات الآلاف في مواكب حزينة وهي تردد فضل الإمام وتندبه، وتذكر الخسارة العظمى التي مني بها المسلمون في فقدهم للإمام الجواد عليه السلام وحفر للجثمان الطاهر قبر ملاصق لقبر جده العظيم الإمام موسى بن جعفر عليه السلام فواروه فيه وقد واروا معه القيم الإنسانية وكل ما يعتز به الإنسان من المثل الكريمة(٢) .

عن أبي جعفر المشهدي بإسناده عن محمد بن رضيّة عن مؤدّب لأبي الحسن (الهادي عليه السلام )، قال: (إنه كان بين يديَّ يوماً يقرأ في اللوح إذ رمى اللوح من يده وقام فزعاً وهو يقول:(إنا لله وإنا إليه راجعون مضى والله أبي عليه السلام ) فقلت: من أين علمت هذا ؟ فقال عليه السلام :(من إجلال الله وعظمته شيء لا أعهده) . فقلت: وقد مضى، قال:(دع عنك هذا ، ائذن لي أن أدخل البيت وأخرج إليك واستعرضني بآي القرآن إن شئت أقل لك بحفظ) ، فدخل البيت فقمت ودخلت في طلبه إشفاقاً مني عليه وسألت عنه فقيل دخل هذا البيت وردّ الباب دونه وقال لي:(لا تؤذن عليّ أحداً حتى أخرج عليكم) .

ـــــــــ

(١) إن الصلاة من قبل المعتصم والواثق على الإمامعليه‌السلام إنما هو للتعتيم الإعلامي على قتل الإمامعليه‌السلام والمعروف أن المعصومعليه‌السلام يقوم بتجهيز المعصوم والصلاة عليه. فلا مانع من حضور الإمام الهاديعليه‌السلام عند تجهيز أبيه الجوادعليه‌السلام . راجع النص من الإمام الهادي على حضوره تغسيل وصلاة ودفن أبيه في مسند الإمام محمد الجوادعليه‌السلام : ١٢٥ ـ ١٢٦.

(٢) حياة الإمام محمد الجوادعليه‌السلام : ٢٦٣.


 

 

فخرج عليه السلام إليَّ متغيّراً وهو يقول:(إنا لله وإنا إليه راجعون مضى والله أبي) ، فقلت: جعلت فداك، قد مضى؟ فقال:(نعم ، وتولّيت غسله وتكفينه وما كان ذلك لِيلَي منه غيري) ، ثم قال لي:(دع عنك واستعرضني آي القرآن إن شئت أفسر لك تحفظه) فقلت: الأعراف. فاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم ثم قرأ:( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * *وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ ... ) (١) .