المعتصم هو أبو إسحاق محمد بن هارون الرشيد ولد سنة ثمانين ومئة، كذا قال الذهبي. وقال الصولي: في شعبان سنة ثمان وسبعين.

وأمه أم ولد من مولدات الكوفة اسمها ماردة وكانت أحظى الناس عند الرشيد. وكان ذا شجاعة وقوة وهمّة وكان عرياً من العلم، لقب بالمعتصم وهو أبعد ما يكون من الاعتصام بالله عَزَّ وجَلَّ.

وكان فاسد الأخلاق له غلام يقال له عجيب وكان مشغوفاً به.

وقد استمر على نهج أخيه في إثارة فتنة خلق القرآن. فسلك ما كان المأمون عليه وختم به عمره من امتحان الناس بخلق القرآن، فكتب إلى البلاد وأمر المعلمين أن يعلّموا الصبيان ذلك وقاسى الناس منه مشقة في ذلك وقتل عليه خلقاً من العلماء، وضرب الإمام أحمد بن حنبل وكان ضربه في سنة عشرين. قيل فجلده حتى غاب عقله وتقطع جلده وقيده وحبسه(١) .

لقد كان المعتصم محدود التفكير ميالاً للقسوة في تعامله مع خصومه السياسيين وغيرهم، وكان يفتقد كثيراً من مقومات الحنكة السياسية في إدارة شؤون الدولة، وقد تعرّض حكمه لكثير من صور الاضطرابات السياسية في أقاليم عديدة من الدولة العباسية(٢) .

وقد هيمن الجيش على الحكم في عصره بعد أن مال المعتصم إلى أخواله الأتراك وكوّن منهم جيشاً خاصاً، وأغدق عليهم الأموال الطائلة مما أثار حفيظة العسكريين العرب، وأثار النزعة القومية في المجتمع.

وتعتبر سياسة المعتصم هذه أخطر ما واجهته الدولة العباسية في مسيرتها. وقد ساءت الأحوال بعد المعتصم، واستشرى خطر العسكريين في الدولة وقاموا بالانقلابات العسكرية على الخلفاء الذين حاولوا تقليص سلطاتهم.

ـــــــــ

(١) مجلة دراسات وبحوث: ص ٩٤.

(٢) راجع الكامل لابن الأثير: ٥ / ٢٣٢ ـ ٢٦٥: ثورة الطالقان بقيادة محمد بن القاسم العلوي، وثورة الزط في البصرة، وثورة بابك الخرمي، وتحرك الروم إلى زبطرة وغيرها من بلاد الإسلام، وثورة المبرقع في فلسطين وغيرها.