من الأسباب التي دعت المأمون إلى سمّ الإمام انّه لم يحصل على ما أراد من توليته للعهد، فقد حدثت له فتنة جديدة وهي تمرّد العباسيين عليه، ومحاولتهم القضاء عليه.

____________________

(1) عيون أخبار الرضا: 2 / 241.

(2) فرائد السمطين: 2/214، 215.


ومن الأسباب التي وردت عن أحمد بن علي الأنصاري عن أبي الصلت الهروي في قوله: (... وجعل له ولاية العهد من بعده ليرى الناس أنه راغب في الدنيا؛ فيسقط محلّه من نفوسهم، فلمّا لم يظهر منه في ذلك للناس إلا ما ازداد به فضلاً عندهم، ومحلاًّ في نفوسهم، وجلب عليه المتكلمين من البلدان طمعاً من أن يقطعه واحد منهم فيسقط محله عند العلماء، وبسببهم يشتهر نقصه عند العامة، فكان لا يكلمه خصم من اليهود والنصارى والمجوس والصابئية والبراهمة والملحدين والدهرية، ولا خصم من فرق المسلمين المخالفين إلا قطعه وألزمه الحجة.

وكان الناس يقولون: والله إنّه أولى بالخلافة من المأمون، فكان أصحاب الأخبار يرفعون ذلك إليه، فيغتاظ من ذلك ويشتد حسده ).

وكان الرضا لا يُحابي المأمون في حق، وكان يجيبه بما يكره في أكثر أحواله؛ فيغيظه ذلك، ويحقد عليه، ولا يظهره له، فلمّا أعيته الحيلة في أمره اغتاله فقتله بالسم(1) .

وقد نصحه الإمام عليه السلام - كما تقدم - بأن يبعده عن ولاية العهد لبغض البعض لذلك، وقد علّق إبراهيم الصولي على ذلك بالقول: كان هذا والله السبب فيما آل الأمر إليه(2) .

إضافة إلى ذلك أن بعض وزراء المأمون وقوّاده كانوا يبغضون الإمام عليه السلام ويحسدونه، فكثرت وشاياتهم على الإمام عليه السلام ، فأقدم المأمون

____________________

(1) عيون أخبار الرضا: 2 / 239 - 240.

(2) نثر الدر: 1 / 363.


على سمّه(1) .

وبدأت علامات الموت تظهر على الإمام عليه السلام بعد أن أكل الرمان أو العنب الذي أطعمه المأمون، وبعد خروج المأمون ازدادت حالته الصحية تدهوراً، وكان آخر ما تكلم به:( قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ) (2) ( وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً ) (3) .

ودخل عليه المأمون باكياً، ثم مشى خلف جنازته حافياً حاسراً يقول: (يا أخي لقد ثلم الإسلام بموتك وغلب القدر تقديري فيك) وشق لحد هارون ودفنه بجنبه(4) .

وقد رثاه دعبل الخزاعي قائلاً:

أرى أمية معذورين إن قتلوا

ولا أرى لبني العباس من عذر

أربع بطوس على قبر الزكي به

إن كنت تربع من دين على خطر

قبران في طوس خير الناس كلّهم

وقبر شرهم هذا من العبر

ما ينفع الرجس من قرب الزكي وما

على الزكي بقرب الرجس من ضرر(5)

وكانت شهادة الإمام الرضا عليه السلام في آخر صفر سنة (203 هـ) كما ذكر على ذلك أغلب الرواة والمؤرخين.

____________________

(1) النصوص التوضيحية في كيفية استشهاده راجعها في العوالم ص 488 - 498.

(2) آل عمران (3): 154.

(3) الأحزاب (33): 38.

(4) عيون أخبار الرضا: 2 / 241.

(5) عيون أخبار الرضا: 2 / 251.