بحلول العيد أي بعد ثلاثة وعشرين يوماً من كتابة العهد بعث المأمون إلى الإمام عليه السلام يسأله أن يصلي بالناس صلاة العيد ويخطب ليطمئن قلوب الناس، ويعرفوا فضله، وتقرّ قلوبهم على هذه الدولة، فبعث إليه الإمام عليه السلام بالقول: (قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط في دخولي في هذا الأمر)، فقال المأمون: إنما أريد بهذا أن يرسخ في قلوب العامة والجند والشاكرية هذا الأمر، فتطمئن قلوبهم، ويقرّوا بما فضّلك الله به.

فلم يزل يرادّه الكلام في ذلك، فلما ألحَّ عليه، قال: (... إن أعفيتني من ذلك فهو أحبُّ إليَّ، وإن لم تعفني خرجت كما كان يخرج رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وكما خرج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام )، فقال المأمون: اخرج كما تحب.

____________________

(1) تاريخ الطبري: 8 / 560.

(2) عيون أخبار الرضا: 2/145 وفي مقاتل الطالبيين: 565 وفي الإرشاد: 2/262 والشعر للنابغة الذُبياني والمستشهد به حاكم المدينة عبد الجبّار سعيد المُساحقي.


وأمر المأمون القوّاد والناس فقعدوا عند باب الإمام عليه السلام وفي الطرقات والسطوح، فلما طلعت الشمس، خرج الإمام متعمّماً بعمامة بيضاء وألقى طرفاً منها على صدره وطرفاً بين كتفه، ورفع ثوبه وهو حاف، ومعه مواليه على نفس الحالة، ثم رفع رأسه إلى السماء، وكبّر أربع تكبيرات، وقال: (الله أكبر الله أكبر الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا...) ورفع صوته فأجهش الناس بالبكاء والعويل، ونزل القوّاد عن دوابهم وترجّلوا، وضجّت مرو ضجّة واحدة، ولم يتمالك الناس من البكاء والضجيج، وكان الإمام عليه السلام يمشي ويقف في كل عشر خطوات وقفة، ولما سمع المأمون بذلك، قال له الفضل بن سهل: يا أمير المؤمنين إن بلغ الرضا المصلّى على هذا السبيل افتتن به الناس، فالرأي أن تسأله أن يرجع، فبعث إليه وسأله الرجوع، فدعا الإمام عليه السلام بخفّه فلبسه ورجع(1) .

واستطاع الإمام عليه السلام بفعله هذا أن يعيد سنّة رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم في صلاة العيد، بعد أن اندثرت معالمها لعدم اهتمام الحكّام والولاة بها، واستطاع الإمام عليه السلام أن يدخل إلى قلوب الناس، في هذا العمل الآني، فقد تأثر به الجميع بما فيهم قوّاد المأمون.

____________________

(1) عيون أخبار الرضا: 2 / 150 - 151.