بعد قبول الإمام الرضا عليه السلام بولاية العهد مضطراً، جمع المأمون خواصه من الأمراء والوزراء والحجّاب والكتّاب وأهل الحل والعقد، وأمر الفضل بن سهل أن يخبرهم حول ولاية العهد، وأن يلبسوا الخضرة بدلاً من السواد، ثم أعطاهم استحقاقاتهم من الأموال لسنة متقدمة ثم صرفهم، وبعد أسبوع حضر الناس وجلسوا، كلٌ في موضعه، وجلس المأمون ثم جيء بالإمام الرضا عليه السلام فجلس وهو لابس الخضرة وعلى رأسه عمامة مقلد بسيف، فأمر المأمون ابنه العباس بان يكون أول من يبايعه عليه السلام ، فرفع الإمام عليه السلام يده وحطها من فوق، فقال له المأمون: ابسط يدك فقال الإمام عليه السلام : (هكذا كان يبايع رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم يضع يده فوق أيديهم)، فقال المأمون: افعل ما ترى. ثم وزعت الهدايا على الحاضرين، وقام الخطباء والشعراء فذكروا ولاية العهد، وعدّدوا فضائل ومآثر الإمام عليه السلام .

وطلب المأمون من الإمام عليه السلام أن يخطب الناس، فقام عليه السلام فحمد الله وأثنى عليه وعلى نبيه صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم ثم قال: (أيها الناس إن لنا عليكم حقاً برسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم ، ولكم علينا حق به، فإذا أدّيتم إلينا ذلك، وجب لكم علينا الحكم والسلام)(1) .

ثم صعد المأمون المنبر فقال: (أيها الناس جاءتكم بيعة علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، والله لو قرأت

____________________

(1) الإرشاد: 2/262 وعنه في إعلام الورى: 2/74 وفي الفصول المهمة: 255 - 256، وانظر خطبته في عيون أخبار الرضا: 2/146.


هذه الأسماء على الصم البكم لبرؤوا بإذن الله عزّ وجل)(1) .

وقد توقع الإمام عليه السلام أن ولاية العهد لا تتم، فحينما رأى سرور بعض مواليه، قال له بهمس: (لا تشغل قلبك بشيء مما ترى من هذا الأمر ولا تستبشر، فإنّه لا يتم)(2) . وبالفعل فقد صدق ما قاله، فإنه توفّي قبل وفاة المأمون.