ثم خطا النبي صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم خطوة اُخرى لإقامة الدولة الجديدة والقضاء على بعض قيم النظام القبلي من دون أن يمس القبيلة بشيء ، مستثمراً حالة التعاطف وحرارة الإيمان التي بدت من المسلمين فجعل أساس العلاقة بين الأفراد رابطة العقيدة والدين متجاوزاً علقة الدم والعصبية، فقال صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم : تآخوا في الله أخوين أخوين، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال: هذا أخي(٢) ، وأخذ كل رجل من الأنصار أخاً له من المهاجرين يشاركه الحياة. وبذا طوت المدينة صفحة دامية من تأريخها إذ كانت لا تخلو أيامها من صراع مرير بين الأوس والخزرج يؤججه اليهود بخبثهم ودسائسهم وانفتح على العالم عهد جديد من الحياة الإنسانية الراقية حيث زرع رسول الله صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم بذلك عنصر بقاء الأمة، وفاعليتها الإيمانية.

ــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ١٩ / ١١٢ ، السيرة النبوية : ١ / ٤٩٦ .

(٢) السيرة النبوية: ١ / ٥٠٤.

أبعاد ونتائج التآخي بين المسلمين

 

البعد الاقتصادي :

١ ـ إعالة المهاجرين وإعادة تأهيلهم اقتصادياً للعودة لممارسة حياتهم الطبيعية.

٢ ـ إزالة الفوارق الطبقية في محاولة للقضاء على الفقر.

٣ ـ السعي للاستقلال الاقتصادي بعيداً عن مركز الثروة غير المشروعة وقطع أيادي اليهود المرابية.

٤ ـ إنجاز مشاريع اقتصادية: زراعية مع تنشيط حركة التجارة ـ من خلال تلاقح فاعلية المهاجرين والأنصار وأفكارهم وترابط جهودهم واستثمار كل الموارد المتاحة في المدينة.

البعد الاجتماعي :

١ ـ القضاء على الأمراض الاجتماعية المتأصلة في المجتمع ومخلفات التناحر القبلي وإشاعة روح الحب والود والتآلف لسد الثغرات لئلاّ يستغلّها المتآمرون على الإسلام، وتوفير الجهود والطاقات البشرية لخدمة الإسلام في مراحله اللاحقة.

٢ ـ إلغاء النظام القبلي وإحلال النظام والقيم الإسلامية محله في التعامل اليومي.

٣ ـ تهيئة المسلمين نفسياً وتربيتهم على التضحية والإيثار للانفتاح على العالم لنشر الرسالة الإسلامية الذي يتطلب مرونة عالية وقيم رفيعة تتوفر في الداعية المسلم.

البعد السياسي :

١ ـ تكوين نسيج مترابط من المسلمين يتحرك مستجيباً لأوامر الرسول والرسالة كفرد واحد في ظرف تعددت فيه الجهات المعادية ولم تتوقف عن دسائسها.

٢ ـ تناقل الخبرات التنظيمية ووسائل المقاومة والصمود والتجربة الإيمانية وطرق التحرك وسط المهاجرين والأنصار إذ لم يعش الأنصار تجربة المهاجرين ومحنتهم.

٣ ـ بناء الفرد كخطوة من خطوات بناء الدولة وهيكلها الإداري.

٤ ـ إشعار المسلمين بالقوّة في الدفاع عن أنفسهم وفق قيم الإسلام بعيداً عن الروح القبلية والعنصرية.