لقد عرفنا عداء المهدي للعلويين بشكل عام بل لمن يتولاّهم، وما كان إخراجهم من السجون إلاّ لأنه أحسّ بأن حكومته لا تدوم لو استمرّ على سيرة أبيه المنصور في التضييق عليهم، وقد أعرب عن سياسته بقوله: إني أرى التأديب بالصفح أبلغ منه بالعقوبة، والسلامة مع العفو أكثر منها مع العاجلة، والقلوب لا تبقى لوال لا يعطف إذا استعطف ، ولا يعفو إذا قدر، ولا يغفر إذا ظفر، ولا يرحم إذا استرحم، من قلّت رحمته واشتدّت سطوته وجب مقته وكثر مبغضوه(١) .

ولكن مع كل هذا نجد المهديّ ينكّل بوزيره المحبوب عنده (يعقوب بن داود) لأنه كان ذا ميل للعلويين، وبعد أن اختبره قال له: قد حلّ لي دمك ولو آثرت إراقته لأرقته ثم أمر بسجنه مؤبداً وصادر جميع أمواله(٢) .

ومن هنا نستطيع أن نكتشف أن سبب أمر المهدي العباسي باعتقال الإمام موسى إنّما كان شيوع ذكر الإمام عليه السلام وانتشار اسمه وعلمه في الآفاق مما جعله يتصوّر أن بقاء ملكه لا يتمّ إلاّ باعتقاله.

وقد عرفت أن المهدي اضطرّ إلى إطلاق سراح الإمام عليه السلام بعد أن رأى في المنام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام متأثّراً حزيناً مخاطباً إياه:

ــــــــــــ

(١) تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٣٩٩ ـ ٤٠٠.

(٢) حياة الإمام موسى بن جعفر: ١ / ٤٤٧ ـ ٤٤٩ وفي تاريخ اليعقوبي: ٢/٤٠١: وكان يعقوب جميل المذهب ميمون النقيبة، محبّاً للخير، كثير الفضل، حسن الهدى، ثم سخط عليه فعزله وحبسه، فلم يزل محبوساً حتى مات المهدي. وفي مروج الذهب: ٣/٣١٢: ثم اختصّ به يعقوب بن داود السلمي فكان يصل إليه في كل وقت دون كل الناس ثمّ اتّهمه بشيء من أمر الطالبيين فبقي في حسبه إلى أيام الرشيد فأطلقه، ثم نقل فيه أقوالاً أخرى.


 

 

(يا محمد ! ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ) ) ففزع المهدي من نومه.. وأمر بإحضار الإمام وقصّ عليه رؤياه وطلب منه أن لا يخرج عليه أو على أحد من ولده. ثم أعطاه ثلاثة آلاف دينار وردّه إلى المدينة(١) .

ومات المهدي لثمان بقين من المحرم سنة (١٦٩ هـ) وهو ابن ثمان وأربعين سنة بعد أن خرج إلى الصيد ودخل خربة أصاب بابها عمود ظهره أو أن بعض جواريه كانت قد دسّت له السم لأنها كانت تغار من جارية كان يهواها ويخلص لها(٢) .

وهكذا انتهت حياته بعد أن كان قد أخذ البيعة لابنه موسى وهارون بالخلافة من بعده.