١ ـ الانتماء السياسي: ركّز الإمام عليه السلام على بعد الانتماء لخطّ أهل البيت عليهم السلام ولا سيّما الانتماء السياسي لهم وتحرك الإمام على مستوى تجويز اندساس بعض أتباعه في جهاز السلطة الحاكمة، وأبرز مثال لذلك توظيف علي بن يقطين ووصوله إلى مركز الوزارة; وذلك لتحقيق عدّة أهداف في هذه المرحلة السياسية الحرجة وهي كما يلي:

الهدف الأول: الإحاطة بالوضع السياسي

إنّ الاقتراب من أعلى موقع سياسي، من أجل الإحاطة بالمعلومات السياسية وغيرها التي تصدر من البلاط الحاكم أمر ضروري جدّاً وذلك ليتخذ التدابير والحيطة اللازمة لئلاّ يتعرّض الوجود الشيعي للإبادة أو الانهيار. والشاهد على ذلك: أنه لمّا عزم موسى الهادي على قتل الإمام موسى عليه السلام بعد ثورة الحسين ـ صاحب فخ ـ وتدخل أبو يوسف القاضي في تغيير رأي الهادي عندما قال له بأن موسى الكاظم عليه السلام لم يكن مذهبه الخروج ولا مذهب أحد من ولده حيث استطاع أبو يوسف أن يقنع الخليفة.

ــــــــــــ

(١) بحار الأنوار: ٤٨ / ١٤٩.


 

 

هنا كتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام بصورة الأمر(١) من أجل أن يكون الإمام على علم بنشاطاته وسترى في المرحلة التالية الدور الفاعل الذي لعبه علي بن يقطين في خلافة الرشيد لمصالح الإمام الكاظم عليه السلام والشيعة الموالين له.

ــــــــــــ

(١) مهج الدعوات: ٢٢٩ / ح١، عوالم العلوم والمعارف والأحوال: ٣٦٦.


 

 

الهدف الثاني: قضاء حوائج المؤمنين

إنّ قضاء حوائج المؤمنين بخطّ أهل البيت والذين يعيشون في ظل دولة ظالمة تطاردهم وتريد القضاء على وجودهم يشكّل هدفاً مهمّاً يصب في رافد بقاء واستمرار وجود هذه الجماعة الصالحة.

وقد طلب علي بن يقطين من الإمام الكاظم عليه السلام التخلي عن منصبه أكثر من مرة، وقد نهاه الإمام عليه السلام قائلاً له:(يا علي إنّ لله تعالى أولياء مع أولياء الظلمة ليدفع بهم عن أوليائه وأنت منهم يا علي) (١) .

وقال له في مرة أخرى:(لا تفعل فإن لنا بك أُنساً ولإخوانك بك عزّاً وعسى الله أن يجبر بك كسيراً أو يكسر بك نائرة المخالفين عن أوليائه. يا علي ، كفارة أعمالكم الإحسان إلى إخوانكم اضمن لي واحدة أضمن لك ثلاثاً، اضمن لي أن لا تلقى أحداً من أوليائنا إلاّ قضيت حاجته وأكرمته أضمن لك أن لا يظلك سقف سجن أبداً ولا ينالك حد السيف أبداً ولا يدخل الفقر بيتك أبداً...) (٢) .

وعن علي بن طاهر الصوري: قال: ولّي علينا بعض كتاب يحيى بن خالد وكان عليَّ بقايا يطالبني بها وخفت من الزامي إياها خروجاً عن نعمتي، وقيل لي: إنه ينتحل هذا المذهب، فخفت أن أمضي إليه فلا يكون كذلك، فأقع فيما لا أُحبّ.

فاجتمع رأيي على أني هربت إلى الله تعالى، وحججت ولقيت مولاي الصابر ـ يعني موسى بن جعفر عليه السلام ـ فشكوت حالي إليه فاصحبني

ــــــــــــ

(١) اختيار معرفة الرجال: ٤٣٣ ح ٨١٧.

(٢) خبر الضمان في اختيار معرفة الرجال: ٤٣٣ ح ٨١٨ وعنه في حياة الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام : ٢ / ٢٨٦ ـ ٢٨٧.


 

 

مكتوباً نسخته:(بسم الله الرحمن الرحيم ، اعلم أنّ لله تحت عرشه ظلاً لا يسكنه إلاّ من أسدى إلى أخيه معروفاً، أو نفّس عنه كربة، أو أدخل على قلبه سروراً، وهذا أخوك ، والسلام) (١) .

ومن مصاديق قضاء حوائج الإخوان المؤمنين: جباية الأموال جهراً وإرجاعها إليهم سراً.

عن علي بن يقطين قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام ما تقول في أعمال هؤلاء ؟

قال:(إن كنت لا بدّ فاتق الله في أموال الشيعة) .

قال الراوي: فأخبرني علي انه كان يجبيها من الشيعة علانية ويردّها عليهم في السرّ(٢) .

الهدف الثالث: التأثير في السياسة العامّة عليه السلام

استخدم الإمام آليات متقنة ومحكمة في نشاطه الاستخباري وتأمين الاتّصال السري مع علي بن يقطين أو غيره من الشيعة المندسين في مراكز النظام الحاكم، ولعل الهدف من هذا الاختراق ومسك مواقع متقدمة من السلطة إمّا للتأثير في السياسة العامة للسلطة أو لإنجاز أعمال سياسيّة أو فقهيّة لصالح الأُمة من خلال قربه لهذه المواقع.

يحدّثنا إسماعيل بن سلام عن آليات هذا الارتباط وما يتضمّنه من نشاط في النصّ التالي:

ــــــــــــ

(١) راجع تمام الخبر ومصادره في: ٣٦ ـ ٣٨ من هذا الكتاب.

(٢) الكافي: ٥ / ١١٠، ح٣ ، وعنه في البحار: ٤٨ / ١٥٨، ح ٣١، وفي اختيار معرفة الرجال: ٤٣٥ ح ٨٢٠ عن كاتبه أمية وغيره.


 

 

قال إسماعيل بن سلام وابن حميد: بعث إلينا علي بن يقطين فقال: اشتريا راحلتين، وتجنّبا الطريق. ودفع إلينا أموالاً وكتباً حتى توصلا ما معكما من المال والكتب إلى أبي الحسن موسى عليه السلام ولا يعلم بكما أحد، قال: فأتينا الكوفة واشترينا راحلتين وتزوّدنا زاداً، وخرجنا نتجنّب الطريق حتى إذا صرنا ببطن الرّمة شدّدنا راحلتنا، ووضعنا لها العلف، وقعدنا نأكل فبينا نحن كذلك، إذ راكب قد أقبل ومعه شاكري، فلما قرب منّا فإذا هو أبو الحسن موسى عليه السلام فقمنا إليه وسلمنا عليه ودفعنا إليه الكتب وما كان معنا فأخرج من كمّه كتباً فناولنا إياها فقال:هذه جوابات كتبكم ...(١) .