صعّد المنصور من تضييقه على الإمام الصادق عليه السلام ، ومهّد لقتله .

فقد روى الفضل بن الربيع عن أبيه ، فقال : دعاني المنصور ، فقال : إنّ جعفر بن محمد يلحد في سلطاني ، قتلني الله إن لم أقتله فأتيته ، فقلت : أجب أمير المؤمنين فتطهّر ولبس ثياباً جدداً .

فأقبلت به ، فاستأذنت له فقال : أدخله ، قتلني الله إن لم أقتله .

فلمّا نظر إليه مقبلاً ، قام من مجلسه فتلقّاه وقال : مرحباً بالتقيّ الساحة ، البريء من الدغل والخيانة ، أخي وابن عمّي .

فأقعده على سريره ، وأقبل عليه بوجهه ، وسأله عن حاله ، ثم قال :

سلني حاجتك ، فقال عليه السلام :أهل مكّة والمدينة قد تأخّر عطاؤهم ، فتأمر لهم به .

قال : أفعل ، ثم قال : يا جارية ! ائتني بالتحفة فأتته بمدهن زجاج ، فيه غالية ، فغلّفه بيده وانصرف فأتبعته ، فقلت :

ـــــــــــــــــ

(١) الخرائج والجرائح : ٢ / ٦١٩ وعنه في بحار الأنوار : ٤٧ / ٩٦ ، وإثبات الهداة : ٥ / ٤١٠ ح ١٤٣ .


يابن رسول الله ! أتيت بك ولا أشك أنّه قاتلك ، فكان منه ما رأيت ، وقد رأيتك تحرك شفتيك بشيء عند الدخول ، فما هو ؟

قال : قلت :( اللّهمّ احرسني بعينك التي لا تنام ، واكنفني بركنك الذي لا يرام ، واحفظني بقدرتك عليّ ، ولا تهلكني وأنت رجائي ) (١) .

ولم يكن هذا الاستدعاء للإمام من قِبل المنصور هو الاستدعاء الأوّل من نوعه بل إنّه قد أرسل عليه عدّة مرات وفي كل منها أراد قتله(٢) .

لقد صور لنا الإمام الصادق عليه السلام عمق المأساة التي كان يعانيها في هذا الظرف بالذات والأذى الّذي كان المنصور يصبه عليه ، حتى قال عليه السلام ـ كما ينقله لنا عنبسة ـ قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول :( أشكو إلى الله وحدتي وتقلقلي من أهل المدينة حتى تقدّموا (٣) وأراكم أسرّ بكم ، فليت هذا الطاغية أذن لي فاتّخذت قصراً في الطائف فسكنته ، وأسكنتكم معي ، وأضمن له أن لا يجيء من ناحيتنا مكروه أبداً ) (٤) .