إنّ محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي الملقّب بذي النفس الزكيّة قد رشّح باتّفاق الهاشميين للخلافة ، وكان المنصور يسير بخدمته ويسوّي عليه ثيابه ويمسك له دابته تقرّباً إليه ، وقد بايعه مع أخيه السفّاح مرّتين وبعد اختلاس العبّاسيين للحكم واستبدادهم وشياع ظلمهم تألّم محمد

ـــــــــــــــــ

(١) الطور (٥٢) : ٤٨ .

(٢) القلم (٦٨) : ٤٨ .

(٣) إقبال الأعمال : ٥٧٨ ، وبحار الأنوار : ٤٧ / ٢٩٨ .

(٤) الأدب في ظل التشيّع لعبد الله نعمة : ٦٣ ، نقلاً عن شرح القصيدة الشافية لأبي فراس : ١٦١ .


فأخذ يدعو الناس إلى نفسه فاستجاب له الناس وظلّ مختفياً مع أخيه إبراهيم ، وقد انتشرت دعاتهم في البلاد الإسلامية داعية المسلمين إلى بيعة محمد هذا .

ولمّا انتهت الأنباء بشهادة عبد الله وسائر السادة الذين كانوا معه إلى محمد ; أعلن محمّد ثورته في المدينة وبايعه الناس وحتى الفقهاء منهم وقد استبشروا ببيعته ، وحينما انتشر الأمر سارع أهالي اليمن ومكّة إلى بيعته وقام خطيباً فيهم فقال :

أمّا بعد : أيّها الناس فإنّه كان من أمر هذا الطاغية عدوّ الله أبي جعفر ما لم يخف عليكم من بنائه القبّة الخضراء التي بناها معانداً لله في ملكه تصغيراً للكعبة الحرام ، وإنّما أُخذ فرعون حين قال : أنا ربكم الأعلى ، وإنّ أحق الناس بالقيام بهذا الدين أبناء المهاجرين والأنصار المواسين .

اللّهمّ إنّهم قد أحلّوا حرامك وحرّموا حلالك وآمنوا مَن أخفت وأخافوا مَن آمنت ، اللّهمّ فاحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً(١) .

ولمّا علم المنصور بالثورة وجّه جيشاً يقدّر بأربعة آلاف فارس بقيادة عيسى بن موسى ، وبعد أن اندلعت الحرب بين الفريقين ، خارج المدينة ، رغبة من محمد وحفاظاً على سكّانها من عبث جيش المنصور وأُصيب محمد بن عبد الله بجراح خطيرة بسبب تفرّق جنده ، وبرك إلى الأرض ، فبادر الأثيم حميد بن قحطبة فاحتزّ رأسه الشريف(٢) .

ـــــــــــــــــ

(١) تاريخ الأمم والملوك : ٦ / ١٨٨ ـ ١٨٩ .

(٢) اليعقوبي : ٢/٣٧٦ والمسعودي : ٣/٢٩٤ ـ ٢٩٦ وعن الطبري في الكامل في التاريخ : ٥/٥٤٩ .