بعد أن تأكّد المنصور عن طريق المعلومات التي كانت تصله من جواسيسه بأنّ السادة الحسنيين يخطّطون للثورة عليه ، انتظر المنصور موسم الحجّ فلمّا حان الموسم سافر هو وحاشيته إلى بيت الله الحرام ، وبعد انتهائه من

ـــــــــــــــــ

(١) الجلاوزة : جمع الجلواز معرّب من الفارسية : گلوبازاى المفتوح الجيب كناية عن الشرطيّ المستعد لتنفيذ الأوامر .

(٢) كشف الغمّة : ٢/٤٠٧ عن الدلائل للحميري ، وعنه في بحار الأنوار : ٤٧ / ١٨٣ .


مناسك الحجّ رجع إلى يثرب وقد صحب معه عقبة بن مسلم الجاسوس الذي عيّنه المنصور لمراقبة تحرّك آل الحسن وكان قد أوصاه قبل سفره فقال له :إذا لقيني بنو الحسن وفيهم عبد الله فأنا مكرمه ورافع محمله وداع بالغذاء فإذا فرغنا من طعامنا فلحظتك فامتثل بين يديه فإنه سيصرف عنك بصره ، فاستدر حتى ترمز ظهره بإبهام رجلك حتى يملأ عينه منك .

ولمّا انتهى المنصور إلى يثرب استقبله السادة الحسنيّون وفيهم عبد الله ابن الحسن ، فأجلسه المنصور إلى جانبه ودعا بالغذاء فأصابوا منه فقام عقبة ، ونفّذ ما عهد إليه المنصور ، وجلس أمامه ففزع منه عبد الله وقال للمنصور : أقلني أقالك الله ...

فصاح به : لا أقالني الله إن أقلتك(١) .

وأمر أن يكبّل بالحديد ويزجّ في السجن فكبّل مع جماعة من العلويين وحُبس في بيت مروان .

وأرادوا من عبد الله أن يخبر بمكان ولديه : محمد ذي النفس الزكيّة وأخيه إبراهيم وإن لم يخبر بمكانهما فسوف يتعرّض للانتقام والقتل .

وقد عبّر عبد الله عن عمق هذه المأساة للحسن بن زيد قائلاً : يا بن أخي ، والله لبليّتي أعظم من بليّة إبراهيم عليه السلام ; إن الله عزّ وجلّ أمر إبراهيم أن يذبّح ابنه ، وهو لله طاعة ، فقال إبراهيم :( إنّ هذا لهو البلاء المبين ) (٢) وإنّكم جئتموني في أن آتي بابني هذا الرجل فيقتلهما وهو لله جّل وعزّ معصية(٣) .

ـــــــــــــــــ

(١) الكامل في التاريخ : ٤/٣٧١ .

(٢) الصافات (٣٧) : ١٠٦ .

(٣) مقاتل الطالبيين : ١٩١ ـ ١٩٤ تحقيق السيد أحمد صقر .


وبقي السادة الحسنيّون في السجن لمدّة ثلاث سنين ، وفي سنة ( ١٤٢ هـ ) سافر المنصور مرّة أخرى إلى الحجّ لغرض تدارك الوضع في المدينة والوقوف أمام التصعيد الثوري هناك ، وبعد أن أنهى مناسكه اتّجه نحو الربذة التي تبعد ثلاثة أميال عن المدينة وبعد وصوله إليها أمر بإشخاص السادة الحسنيين ومَن معهم من العلويين إليه ، وقد تكفّل عقبة بن مسلم بعملية إخراجهم من السجن والسير بهم نحو الربذة .

وبعد إخراجهم من السجن وضع الحديد في أيديهم وجيء بهم إلى مسجد رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم حيث ازدحم الناس عليهم وهم بين باكٍ ومتأسّف والشرطة تشتمهم وقد طلبت من الناس أن يشتموهم .

لكنّ الذي حدث كان على العكس من ذلك إذ أخذ الناس يسبّون عقبة بن مسلم والمنصور ويترحّمون على العلويين(١) .