في هذا الجو المشحون بتزاحم الإرادات وحدوث تمرّد على الحكومة هنا وهناك ، خصوصاً بعد ثورة زيدرحمهالله والإمام الصادق عليه السلام مشغول بترتيب أوضاعه الرساليّة ، والتهم تثار ضدّ الشيعة تارةً بالخروج على السلطان ، وأخرى بالزندقة وجواز سبّ الخلفاء ، يدخل هشام إلى المدينة ويستقبله بنو العباس بالشكوى على الإمام الصادق عليه السلام بأنّه أخذ تركات ماهر الخصي دوننا هنا يخطب أبو عبد الله الصادق عليه السلام فيقول :كان أبوكم طليقنا وعتيقنا وأسلم كارهاً تحت سيوفنا ، لم يهاجر إلى الله ورسوله هجرة قط فقطع الله ولايته منّا بقوله : ( والَّذين آمنوا ولم
ـــــــــــــــــ
(١) أمالي الصدوق : ٢٧٥ .
(٢) أي من أتباع زيد فإنّ بعضهم قتل وبعضهم هرب .
(٣) الكافي : ٨ / ٢٥٠ ـ ٢٥١ ح٣٥١ .
يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء ) (١) ثم قال :هذا مولى لنا مات فحزنا تراثه ، إذ كان مولانا ، ولأنّا ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأُمّنا فاطمة أحرزت ميراثه (٢) .
وبعد موت هشام بن عبد الملك تولّى الخلافة الوليد بن يزيد سنة (١٢٥ هـ) وكان يسمّى بالفاسق ؛ إذ لم يكن في بني أمية أكثر إدماناً للشراب والسماع ولا أشد مجوناً وتهتّكاً واستخفافاً بأمر الأمة منه ، حتَّى أنّه واقع جارية له وهو سكران وجاءه المؤذّنون يؤذنونه بالصلاة فحلف أن لا يصلّي إلاَّ هي ، فلبست ثيابه ، وصلّت بالمسلمين وهي جنب وسكرانة .
وكان قد اصطنع بِركة من الخمر ، فكان إذا طرب ألقَى نفسه فيها وكان يشرب منها حتَّى يبين النقص في أطرافه(٣) .
وممّا كان من فسقه أنّه نكح أمهات أولاد أبيه ، وتفاءل يوماً بالمصحف الكريم فخرجت الآية :( واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد ) فمزّق المصحف وأنشأ يقول :
أتوعد كلّ جبارٍ عنيد |
|
فها أنا ذاك جبّار عنيد |
إذا ما جئت ربّك يوم حشر |
|
فقل يا ربّ مزّقني الوليد(٤) |
وقد تمادى في الغيّ حتّى قال له هشام : ويحك والله ما أدري أعلى دين الإسلام أنتَ أم لا ؟!