لم يكن الوضع السياسي الذي يريد أن يتحرّك في وسطه الإمام الصادق عليه السلام قد تبدّل ؛ فهشام بن عبد الملك الذي أقدم على اغتيال الإمام الباقر عليه السلام لازال هو الحاكم ، وسياسته مع الإمام الباقر عليه السلام وشيعته هي السياسة نفسها ، وهي سياسة قائمة على أساس الحقد الجاهلي وتتلخّص في التشريد والاضطهاد .
إنّ الثائر زيد بن علي عليه السلام يكشف لنا عمق المأساة التي كانت تعيشها الأمة آنذاك ، حين تعرّض هذا الثائر العظيم في زمن الإمام الباقر عليه السلام لإذلال وتوهين من قِبل هشام باعتباره أحد رجال الشيعة ومن رموزها البارزين .
أخذ زيد يزداد قناعة بضرورة الثورة ضد الأمويين حتى صمّم على ذلك بلا تردّد ، وبدوافع إسلامية خالصة .
وحين ذكر جابر بن يزيد الجعفي رأي أخيه الباقر عليه السلام بثورته وسلامة قراره وذكر له أنّه مقتول لا محالة قال زيد لجابر :
يا جابر لم يَسَعن أن أسكت ، وقد خولف كتاب الله وتحوكم بالجبت والطاغوت ، وذلك أنّي شاهدت هشاماً ورجل عنده يسبّ رسول الله فقلت للسابّ : ويلك يا كافر ! أما إنّي لو تمكّنت منك لاختطفتُ روحَك وعجّلتك إلى النار فقال لي هشام : مَه ، جليسنا يا زيد .
قال زيد لجابر : فو الله لو لم يكن إلاَّ أنا ويحيى ابني لخرجت عليه وجاهدته حتَّى أفنى(١) .
ـــــــــــــــــ
(١) حياة الإمام محمّد الباقر ، دراسة وتحليل : ١/٧٢ .
والرواية التالية أيضاً تصوّر لنا حقيقة دوافع زيد ومدى عزمه على مناهضة بني أمية :
فعن محمّد بن عمر بن علي عليه السلام قال : كنت مع زيد بن علي عليه السلام حين بعث بنا هشام إلى يوسف بن عمر ، فلمّا خرجنا من عنده وسِرنا حتى كنّا بالقادسية قال زيد : اعزلوا متاعي عن أمتعتكم ، فقال له ابنه : ما تريد أن تصنع ؟
قال : أريد أن أرجع إلى الكوفة ، فو الله لو علمت أنّ رضى الله عزَّ وجلَّ عَنّي في أن أقدح ناراً بيدي حتَّى إذا اضطرمت رميتُ نفسي فيها لفعلت ، ولكن ما أعلم شيئاً لله عزَّ وجلَّ عني أفضل من جهاد بني اُميّة(١) .
والتحق مع زيد كثير من الفقهاء والمحدثين والقضاة من أصحاب الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام (٢) .
وعندما قرّر الثورة ، لم يتجاوز إمام عصره حيث طرح الأمر على الإمام الصادق عليه السلام .
قال الإمام موسى الكاظم عليه السلام :سمعت أبي يقول : رحم الله عمّي زيداً لقد استشارني في خروجه ، فقلت لهُ : يا عمّ إن رضيت أن تكون المقتول المصلوب بالكناسة فشأنك (٣) .
وهكذا أقرّ الإمام الصادق عليه السلام سلامة قراره كما أخبره بنبأ شهادته .
أمّا توجيهات الإمام الصادق عليه السلام للمخلصين من أصحابه حِيال الثورة بشكل عام فكانت من نوع آخر ؛ حيث لا يريد الإمام عليه السلام أن يلقي بكلّ ثقل
ـــــــــــــــــ
(١) تيسير المطالب : ١٠٨ ـ ١٠٩ .
(٢) راجع كتاب زيد الشهيد للسيد عبد الرزاق المقرّم حيث تجد قائمة بأسماء الشخصيات التي شاركت مع زيد في ثورته .
(٣) الكناسة اسم محلّة بالكوفة مسند أخبار الرضاعليهالسلام : ٢/٥٠٥ .
وجوده في معركة واحدة .
فعن أبي بكر الحضرمي أنّه قال : ذكرنا أمر زيد وخروجه عند أبي عبد الله عليه السلام فقال :( عمّي مقتول إن خرج قُتِل ، فقرّوا في بيوتكم ، فو الله ما عليكم بأس ) ، فقال رجل من القوم : إن شاء الله(١) .