وفي السنة العاشرة من البعثة خرج المسلمون من الحصار وهم أصلب عوداً وأغنى تجربة وأكثر قدرة على التحرك صوب الهدف الذي آلوا على أنفسهم أن لا يتخلوا عنه رغم كل الصعاب. وكان من أثر الحصار أن اشتهر ذكر الإسلام والمسلمين وانتشر في كل أرجاء الجزيرة العربية وكانت أمام رسول الله صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم مهام صعبة، منها: الانفتاح بصورة أوسع خارج نطاق مكة، ومحاولة إيجاد أكثر من مكان آمن تتحرك من خلاله الرسالة الإسلامية.

ولكن الرسالة الإسلامية تعرضت لأخطر محنة في مسيرتها في مكة عندما توفّي أبو طالب، سندها الاجتماعي الأول والمدافع القوي عن الرسول والرسالة، وبعده بأيام توفيت اُمّ المؤمنين خديجة ثاني سندي الرسول صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم . ولشدة تأثير

ــــــــــــ

(١) تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٢١، طبقات ابن سعد: ١ / ١٧٣، السيرة النبوية: ١ / ٣٧٧.

(٢) السيرة النبوية: ١ / ٣٧٥، تاريخ الطبري: ٢ / ٤٢٣.


الحادثتين في مسيرة الرسالة الإسلامية سمّى رسول الله صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم ذلك العام بـ (عام الحزن)، وصرّح قائلاً:(مازالت قريش كاعّة عنّي حتى مات أبو طالب) (١) .

ومن جرأة قريش على النبي صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم عند ذاك أن قام أحدهم ونثر التراب على رأسه الشريف وهو مارّ إلى بيته. فقامت إليه ابنته فاطمة عليها‌السلام لتنفض التراب عنه وهي تبكي فقال لها صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم : (يا بنية لا تبكي فإن الله مانع أباك) (٢) .