ازداد الانحراف في عهود الملوك المتعاقبين على الحكم، وكان للأفكار والعقائد نصيبها الأكبر من هذا الانحراف، ولم يكترث الحكّام بهذا الانحراف بل شجّعوا عليه; لأنه كان يخدم مصالح الحكم القائم، ويشغل المسلمين عن همومهم الأساسية وبخاصة التفكير في مجال تغيير الأوضاع وإعادتها إلى ما كانت عليه في عهد رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وعهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام .

فكثرت في عهد الأمويين الانحرافات الفكرية والعقائدية وتعدّدت وتعاظمت، وأصبح لها أتباع وأنصار، وتحولت إلى تيارات وكيانات خالف الكثير منها الأسس الواضحة للعقيدة الإسلامية، وابتدعوا ما لا يجوز من الأمور المخالفة للقرآن الكريم وللسنة النبوية، فانتشرت أفكار الجبر والتفويض والإرجاء، كما انتشرت أفكار التجسيم وتشبيه الله تعالى بخلقه، وكثرت الشبهات حول ثوابت العقيدة، وكثر الحديث حول ماهية الله تعالى وذاته، وتنوّعت تيّارات الغلوّ، حتى زعم البعض حلول الذات الإلهية في قوم من الصالحين، وقالوا بالتناسخ، وانتشرت الزندقة، فجحدوا البعث والنشور، وأسقطوا الثواب والعقاب وزُوِّرت الأحاديث والروايات واختُلِق كثير منها; لدعم التسلط الأُموي، كما راج اختلاق الفضائل لصالح المنحرفين من الصحابة، وطرحت نظرية عدالة جميع من صحب رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم أو رآه أو ولد في عهده، بينما منعوا ـ من جانب آخر ـ من نشر فضائل أهل البيت عليهم السلام .


وكان للحكّام دور كبير في تشجيع هذا الانحراف المتمثّل في اختلاق النصوص وقد وصف الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام ذلك قائلاً:(إنّ مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام: أحدها: الغلو. وثانيها: التقصير في أمرنا. وثالثها: التصريح بمثالب أعدائنا) (١) .

وانتشرت ظاهرة الإفتاء بالرأي، وراج القياس في الأحكام والتفسير بالرأي لآيات القرآن المجيد، كما انتشرت أفكار التصوّف والاعتزال عن الحياة، وفصل الدين عن السياسة.

وأشغل الحكّام كثيراً من الناس بالجدل في المسائل العقلية التي لا فائدة فيها، وشجّعوا على إقامة مجالس المناظرة والجدل العقيم في ذات الله تعالى وفي الملائكة، وفي قدم القرآن أو حدوثه.

وهكذا كان للحكّام دور كبير في خلق المذاهب المنحرفة والتشجيع عليها، لا سيَّما بعض المذاهب التي كانت تحمل شعار الانتساب إلى أهل البيت عليهم السلام كالكيسانية لغرض شق صفوف أتباع أهل البيت عليهم السلام الذين كانوا يستهدفون الواقع السياسي المنحرف.

ــــــــــــــ

(١) عيون أخبار الرضا: ١ / ٣٠٤.