لم يبقَ مع الإمام الحسين عليه السلام سوى أخيه العباس الذي تقدم إليه يطلب منه الإذن في قتال القوم فبكى الحسين وعانقه ثم أذن له فكان يحمل على أهل الكوفة فينهزمون بين يديه كما تنهزم المعزى من الذئاب الضارية وضجّ أهل الكوفة من كثرة من قتل منهم، ولما قتل قال الحسين عليه السلام : (الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي وشمت بي عدوّي)(2) .

وفي رواية أخرى: أن الإمام الحسين عليه السلام اتجه إلى نهر الفرات وبين يديه أخوه العباس فاعترضته خيل ابن سعد (لعنه الله) وفيهم رجل من بني دارم فقال لهم: ويلكم حولوا بينه وبين الفرات ولا تمكّنُوهُ من الماء، فقال الحسين عليه السلام : اللهم أظمئه، فغضب الدارمي ورماه بسهم فأثبته في حنكه فانتزع الحسين عليه السلام السهم و بسط يده تحت حنكه فامتلأت راحتاه من الدم فرمى به ثم قال: (اللهم إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك)، ثم رجع إلى مكانه

____________________

(1) المسناة: تراب عال يحجز بين النهر والأرض الزراعية. ( تاج العروس - سنى - 10: 185 ).

(2) سيرة الأئمة الاثني عشر: 2 / 77، بحار الأنوار: 45 / 440، المنتخب للطريحي: 431.


وقد اشتد به العطش وأحاط القوم بالعبّاس عليه السلام فاقتطعوه عنه فجعل يقاتلهم وحده حتى قتل رحمة الله عليه(1) .

ونظر الحسين عليه السلام إلى ما حوله، ومدّ ببصره إلى أقصى الميدان فلم ير أحداً من أصحابه وأهل بيته إلاّ وهو يسبح بدم الشهادة، مقطّعَ الأوصال والأعضاء.

وهكذا بقي الإمام عليه السلام وحده يحمل سيف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله و بين جنبيه قلب علي عليه السلام وبيده راية الحق البيضاء، وعلى لسانه كلمة التقوى.