انتهى حكم الخلفاء الثلاثة بمقتل عثمان، وانتهت بذلك خمسة وعشرون عاماً، من العناء الناشئ عن إقصاء الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عن الحياة السياسية والاجتماعية للمسلمين.

وقد أيقن المسلمون أنّ الإمام عليّاً عليه السلام هو القائد الذي يحقّق آمالهم وأهدافهم ويعيد لهم كرامتهم، وأنّهم سينعمون في ظلال حكمه بالحرية والمساواة والعدل فأصرّوا على مبايعته بالخلافة.

لكن وللأسف الشديد فقد جاءت قناعة الأمة هذه متأخرةً كثيراً، حيث أصيبت الأمة بأمراض خطيرة وانحرافات كبيرة، وغابت عنها الروح التضحوية والقيم الإيمانية، وتسربلت بالأطماع والمنافع الشخصية، وانحدرت نحو التوجّهات الفئوية الضيّقة. من هنا أعلن الإمام علي عليه السلام رفضه الكامل لخلافتهم قائلاً لهم: لا حاجة لي في أمركم، فمن اخترتم رضيت(1) .

وذلك لعلمه عليه السلام بأنّه من الصعب جدّاً أن يعيد إلى المجتمع الأحكام الإسلامية التي بدّلها الخلفاء وغيّروها باجتهاداتهم الخاطئة، فإنّه عليه السلام كان يعرف جيّداً أنّ المجتمع الذي نشأ على تلك الأخطاء سيقف بوجهه وسيعمل جاهداً على مناجزته والحيلولة بينه وبين تحقيق مخطّطاته السياسية الهادفة إلى تحقيق العدل والقضاء على الجور. هذا وإنّ أمير المؤمنين عليه السلام مع سابقته الفريدة إلى الإسلام وحنكته السياسية ومؤهّلاته القيادية العظيمة لم يستطع الوقوف بوجه الانحراف الذي سرى إلى جميع مفاصل المجتمع

____________________

(1) بحار الأنوار: 32/7.


الإسلامي، ولم يتمكّن من إعادة هذا المجتمع إلى طريق الحقّ والعدالة اللاّحب، إذ وقفت في وجهه فئات من المنافقين والنفعيين ومن كان يحمل في نفسه البغض والكره لله ولرسوله، وقد أكّد ذلك في خطبته الشقشقية بقوله عليه السلام : فلمّا نهضتُ بالأمر نكثت طائفة(1) ومرقت(2) أخرى وقسط آخرون(3) كأنّهم لم يسمعوا كلام الله سبحانه يقول:( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (4) بلى والله لقد سمعوها ووعوها ولكنّهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها(5) .