الحديث عن الزهراء فاطمة يتجاوز ا

الحديث عن الزهراء فاطمة يتجاوز الفسحة التي امتدّت بين ساعة أبصرت فيها النور وساعة انطفأت فيها من عينيها لمعة الحياة.



فإنّها ابنة نبيّ هزّ جذور الفكر في الإنسان وقفز به فوق الأجيال، كما أ نّها زوجة رجل هو ركنٌ من أركان الحقّ وامتداد لأعظم نبيّ في تاريخ الإنسان.



لقد حازت على كمال العقل وجمال الروح وطيب الصفاء وكرم المحتد، وعاشت في جوّ شعّت عليه وامتدّت به وعبّرت عنه فكراً وانتاجاً، وغدت خطّاً في الرسالة التي انطلقت ثورةً، فكانت هي ركناً من أركانها التي لا يمكن فهم تاريخ الرسالة من دون فهم تاريخها.



وقد مثّلت الزهراء (عليها السلام) أشرف ما في المرأة من إنسانية وصيانة وكرامة وقداسة ورعاية وعناية، بالإضافة إلى ما كانت عليه من ذكاء وقّاد وفطنة حادّة وعلم واسع، وكفاها فخراً أنّها تربّت في مدرسة النبوّة وتخرّجت من معهد الرسالة وتلقّت عن أبيها الرسول الأمين (صلى الله عليه وآله) ما تلقّاه عن ربّ العالمين، وممّا لا شك فيه أنّها تعلّمت في دار أبويها ما لم تتعلّمه طفلة غيرها في مكة[1].



لقد سمعت القرآن الكريم من النبيّ المصطفى وسمعته من عليّ المرتضى، وصلّت به وعبدت به ربّها بعد أن وعت أحكامه وفرائضه وسننه وعياً لم يحصل عليه غيرها من ذوي الشرف والمكرمات.



ونشأت الزهراء نشأة إيمان ويقين ، نشأة وفاء وإخلاص وزهد ، وعلمت مع السنين أنّها سليلة شرف لا منازع لها فيه من واحدة من بنات حوّاء، فوثقت بكفاية هذه الشرف الذي لا يُدانى، وشبّت بين انطوائها على نفسها واكتفائها بشرفها في دار الرسالة وعهد الايمان.



لقد نشأت الزهراء وهي تحذو حذو أبيها في كلّ كمال، حتى قالت عنها عائشة: ما رأيت أحداً من خلق الله أشبه حديثاً وكلاماً برسول الله (صلى الله عليه وآله) من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه أخذ بيدها فقبّلها ورحّب بها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها



قامت اليه ورحّبت به وأخذت بيده فقبّلتها[2].



ومن هنا نعرف السرّ أيضاً في ما صرّحت به عائشة من أنّها لم تجد في الأرض امرأة كانت أحبّ الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من فاطمة ، وقد علّلت هي ذلك بقولها: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجةً من فاطمة إلاّ أن يكون الذي ولّدها (صلى الله عليه وآله)[3].



وهكذا صارت الزهراء البتول صورة الاُنوثة الكاملة التي يتخشّع بتقديسها المؤمنون.