بالرغم من أنّ فاطمة

بالرغم من أنّ فاطمة (عليها السلام) توفّيت ولها ثماني عشرة سنة فإنّ النصوص المؤرّخة تشير إلى أنّها ـ مثل سائر المعصومين (عليهم السلام) ـ توفّرت على إلقاء وتدوين ما يرتبط بمبادئ الشريعة الإسلامية، وأنّها (عليها السلام) في لقاءاتها مع العنصر النسوي كانت تتكفّل بالإجابة على أسئلتهنّ ، وأنّها بعامة أثر عنها من النصوص ما يفصح عن شخصيّتها العلميّة والأدبيّة، ولعلّ النماذج التي نقلها المؤرّخون بالنسبة إلى النصوص الخطابية التي ارتجلتها تفصح بوضوح عن الطابع الأدبي المحكم في خطاباتها، فهناك خطبتان مأثورتان عن فاطمة (عليها السلام) فيما ارتجلت اُولاهما بمحضر من النساء « بعد وفاة النبيّ(صلى الله عليه وآله) » والاُخرى ارتجلتها بمحضر من شخصيّات المهاجرين والأنصار ...[6].



وقد ذكرنا نص الخطبتين بعد أحداث رحلة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وعلّق الدكتور البستاني على هذا النص الفني قائلاً : « لقد بدأت الخطبة بتمجيد الله تعالى وهو اُسلوب قد اختطّه النبيّ وفصّله الإمام عليّ (عليه السلام) حيث يلاحظ أنّ فاطمة (عليها السلام) قد أفادت من جانب من النبيّ والإمام عليّ (عليه السلام) اُسلوبياً ، واختطت منحىً فنياً خاصاً من جانب آخر ، إنّها تسلسلت موضوعياً من الحمد ، فالشكر ، فالثناء على معطيات الله تعالى، ثم صفاته تعالى ، ثم نبوّة أبيها فمعطيات ذلك ، ثم اتّجهت إلى الموضوع الرئيس وسردت قائمة بالمعطيات النفسية والعبادية، وهكذا وصلت بين النبوّة وبين معطياتها اجتماعياً، بين المقدمة وبين الموضوع ، فجاءت الخطبة خاضعةً عمارياً لخطوط هندسية متواشجة فيما بينها، وأمّا الأدوات الفنية التي توكّأت عليها فتتمثّل في حشد ملحوظ من العنصر (الصوري) وفي عناية ملحوظة بالعنصر الإيقاعي فضلاً عن العنصر اللفظي، من تقابل وتماثل وتتابع وتكرار وقسم ... »[7].



هذا عن النثر، وأمّا أدبها المنظوم فنذكر نماذج منه :



1 ـ لمّا دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أقبلت على أنس بن مالك فقالت : «يا أنس كيف طابت أنفسكم أن تحثّوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) التراب ؟» ثمّ بكت ورثته قائلةً :



أغبرّ آفـــــاق السماء وكوّرت شمس النهار وأظلم العصران



فالأرض من بعد النبيّ كئيـــبة أسفاً عليه كثيـــــرة الرجـــفان



فليبكه شــــرق البلاد وغـربها ولتبكه مضـــر وكــــلّ يمــــان



يا خاتم الرسل المبارك ضوؤه صلّى عـــليك منــــزل القــرآن



ثمَّ أخذت قبضةً من تراب القبر فجعلتها على عينيها ووجهها، ثمَّ أنشأت تقول :



ماذا على مـــن شمَّ تربة أحمد أن لا يشمَّ مدى الزمان غواليا



صبّت عليَّ مصائــــب لــو أنَّها صبَّت على الأيّام عُدن لياليا[8]



2 ـ وقالت أيضاً في رثائه (صلى الله عليه وآله) :



قل للمغيَّب تحــــت أطباق الثــــرى إن كنت تسمع صرخــــتي ونـدائيا



صبَّت عليَّ مصـــــائب لـــــــو أنَّها صبَّت على الأيّــــام صــــرن لياليا



قد كنتُ ذات حــــمِّى بظلِّ محــــمِّد لا أختشي ضيمــــاً وكان جــــماليا



فاليوم أخشع للذليــــل وأتّـــــــــقي ضيمى وأدفـــــع ظالمي بـــــردائيا



فإذا بكت قمــــريَّة فـــي ليلــــهــــا شجناً على غـــص بكيت صباحيــــا



فلأجعلنَّ الحزن بعــــدك مـــونسي ولأجعــــــلنّ الدمع فيـــــك وشاحيا



ماذا على من شـــمَّ تربــــــة أحمد أن لا يشمَّ مدى الزمان غواليا[9]







3 ـ وعن محمَّد بن المفضَّل قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : جاءت فاطمة (عليها السلام) إلى سارية



في المسجد وهي تقول وتخاطب النبيّ (صلى الله عليه وآله) :



قد كان بعــــدك أنبـــــــــــاء وهنبثة لو كنت شاهدَهــــــا لم تكــثر الخطب



إنّا فقـــدناك فقــــد الأرض وابلَهــــا واختلَّ قــــومك لمّا غـــــبت وانقلبوا



أبدت رجــــال لنا فحــــوى صدورهم لما قضيت وحالت دونك الترب[10]