أصبح الصباح من تلك الليلة فأقبل

أصبح الصباح من تلك الليلة فأقبل الناس ليشيّعوا جنازة الزهراء (عليها السلام) فبلغهم الخبر أنّ عزيزة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد دفنت ليلاً وسراً .



وكان الإمام عليّ (عليه السلام) قد سوّى في البقيع صور قبور سبعة أو أكثر ، وحيث إنّ البقيع كان في ذلك اليوم وإلى يومنا هذا مقبرة أهل المدينة ولهذا أقبل الناس إلى البقيع يبحثون عن قبر فاطمة (عليها السلام) فاُشكل عليهم الأمر ولم يعرفوا القبر الحقيقي لسيّدة نساء العالمين ، فضجّ الناس ، ولام بعضهم بعضاً وقالوا : لن يخلف نبيّكم إلاّ بنتاً واحدة ، تموت وتدفن ولم تحضروا وفاتها والصلاة عليها ولا تعرفون قبرها ، فقال بعضهم : هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نخرجها فنصلي عليها .



وروي أنّ أبا بكر وعمر أقبلا والناس يريدون الصلاة على فاطمة (عليها السلام) .



فقال المقداد : قد دفنّا فاطمة (عليها السلام) البارحة ، فالتفت عمر إلى أبي بكر فقال :



ألم أقل لك إنّهم سيفعلون ؟ قال العباس : إنّها أوصت أن لا تصلّيا عليها، فقال عمر : لا تتركون ـ يا بني هاشم ـ حسدكم القديم لنا أبداً ، إنّ هذه الضغائن التي في صدوركم لن تذهب، والله لقد هممت أن أنبش قبرها فاُصلي عليها[7] .



وصل خبر محاولات القوم لنبش القبر إلى الإمام عليّ (عليه السلام) فلبس القباء الأصفر الذي كان يلبسه في الحروب ، وحمل سيفه ذا الفقار وقد احمرّت عيناه ودرّت أوداجه من شدة الغضب ، وقصد نحو البقيع .



سبقت الأخبار عليّاً إلى البقيع ، ونادى مناديهم : هذا عليّ بن أبي طالب قد أقبل كما ترونه ، يقسم بالله لئن حُوّل من هذه القبور حجر ليطعن السيف في رقاب الآمرين، فقال رجل : ما لك يا أبا الحسن والله لننبشنّ قبرها ولنصلّين عليها؟ فضرب عليّ (عليه السلام) بيده إلى جوامع ثوب الرجل وهزّه ثم ضرب به الأرض، وقال له : « يابن السوداء أَمّا حقي فقد تركته مخافة أن يرتدّ الناس عن دينهم ، وأمّا قبر فاطمة فوالذي نفس عليّ بيده لئن رُمتَ وأصحابك شيئاً من ذلك لأسقينّ الأرض من دمائكم » .



فقال أبو بكر : يا أبا الحسن بحقّ رسول الله وبحقّ فاطمة إلاّ خلَّيت عنه ، فإنّا غير فاعلين شيئاً تكرهه . فخلى عنه وتفرّق الناس[8] .