لمّا توفّي رسول الله

لمّا توفّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) واستولى أبو بكر على الحكم ومضت عشرة أيام واستقام له الأمر; بعث إلى فدك من يخرج وكيل فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) .



وروي أنّ الزهراء أرسلت إلى أبي بكر : أنت ورثت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم أهله ؟ قال : بل أهله ، قالت : فما بال سهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : إنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : « إنّ الله أطعم نبيّه طعمة » ثم قبضه وجعله للذي يقوم بعده فولّيت أنا بعده أن أردّه إلى المسلمين .



وروي عن عائشة أنّ فاطمة (عليها السلام) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهي حينئذ تطلب ما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : لا نورّث، ما تركناه صدقة ، إنما يأكل آل محمّد من هذا المال. وإني ـ والله ـ

لا أغيّر شيئاً من صدقات رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولأعملن فيها بما عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) .



فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً[8] .



وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال عليٌّ لفاطمة (عليهما السلام) : «إنطلقي فاطلبي ميراثك من أبيك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجاءت إلى أبي بكر وقالت : لِمَ تمنعني ميراثي من أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ وأخرجتَ وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأمر الله تعالى ؟ » فقال : إن شاء الله إنّك لا تقولين إلاّ حقاً ولكن هاتي على ذلك شهوداً، فجاءت اُم أيمن وقالت له : لا أشهد ـ يا أبا بكر ـ حتى أحتجّ عليك بما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، اُنشدك بالله ألست تعلم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : « اُم أيمن امرأة من أهل الجنة » ؟ فقال : بلى ، قالت : فاشهد أنّ الله ـ عزوجل ـ أوصى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ( فآتِ ذا القربى حقّه ) فجعل فدكاً لها طعمة بأمر الله، وجاء علي (عليه السلام) فشهد بمثل ذلك ، فكتب أبو بكر لها كتاباً ودفعه إليها، فدخل عمر فقال : ما هذا الكتاب ؟ فقال أبو بكر : إنّ فاطمة ادّعت فدك وشهدت لها اُم أيمن وعليّ فكتبته لها ، فأخذ عمر الكتاب من فاطمة فتفل فيه ومزّقه ، فخرجت فاطمة تبكي .



وروي أنّ الإمام علياً (عليه السلام) جاء إلى أبي بكر وهو في المسجد فقال : « يا أبا بكر لِمَ منعت فاطمة ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد ملكته في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟» فقال أبو بكر : هذا فيء المسلمين ، فإن أقامت شهوداً أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعله لها ، وإلاّ فلا حقّ لها فيه، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : « يا أبا بكر أتحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين ؟ » قال : لا ، قال (عليه السلام) : « فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ، ثم ادّعيت أنا فيه، من تسأل البينة ؟ » قال : إيّاك أسأل البيّنة، قال (عليه السلام) : « فما بال فاطمة سألتها البيّنة على ما في يدها وقد ملكته في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعده ، ولم تسأل المسلمين بيّنة على ما ادّعوا شهوداً كما سألتني على ما ادّعيت عليهم ؟ » ... فسكت أبو بكر .



فقال عمر : يا عليّ ، دعنا من كلامك ، فإنّا لا نقوى على حجّتك ، فإن أتيت بشهود عدول ، وإلاّ فهو فيء للمسلمين لا حقّ لك ولا لفاطمة فيه .



فقال الإمام عليّ (عليه السلام) : « يا أبا بكر تقرأ كتاب الله ؟ » قال : نعم، قال (عليه السلام) : «أخبرني عن قوله عزوجل : ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ) فيمن نزلت ؟ فينا أو في غيرنا ؟» قال : بل فيكم ، قال (عليه السلام) : « فلو أنّ شهوداً شهدوا على فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بفاحشة ما كنت تصنع بها ؟ »، قال : كنت اُقيم عليها الحدّ كما اُقيم على نساء العالمين !، قال علي (عليه السلام) : « كنتَ إذن عند الله من الكافرين »، قال : ولمَ ؟ قال (عليه السلام) : « لأنّك رددت شهادة الله بالطهارة وقبلت شهادة الناس عليها ، كما رددت حكم الله وحكم رسوله أن جعل لها فدكاً وزعمت أنّها فيء للمسلمين، وقد قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر » فدمدم الناس ، وأنكر بعضهم بعضاً ، وقالوا: صدق والله عليّ[9] .