اجتمع شمل محمّد

اجتمع شمل محمّد (صلى الله عليه وآله) وخديجة وتأسست الأُسرة وبُني البيت الذي يغمره الحبّ والسعادة والحنان والدفء العائلي والانسجام ، فقد كانت أول من آمن بدعوة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) من النساء، وبذلت كلّ ما بوسعها من أجل أهدافه المقدسة ، وجعلت ثروتها بين يدي الرسول (صلى الله عليه وآله) وقالت : جميع ما أملك بين يديك وفي حكمك ، اصرفه كيف تشاء في سبيل إعلاء كلمة الله ونشر دينه .



وتحمّلت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) عذاب قريش ومقاطعتها وحصارها ، وكان هذا الإخلاص الفريد والايمان الصادق والحبّ المخلص من خديجة حريّاً أن يقابله رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما يستحقّ من الحبّ والإخلاص والتكريم، وبلغ من حبّه لها وعظيم مكانتها في نفسه الطاهرة أنّ هذا الحب والوفاء لم يفارق رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى بعد موتها ، ولم تستطع أيّ من زوجاته أن تحتل مكانها في نفسه ، حتى قال الرسول (صلى الله عليه وآله) : وخير نساء اُمتي خديجة بنت خويلد ...[10] .



وعن عائشة أنّها قالت : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا ذكر خديجة لم يسأم من الثناء عليها والاستغفار لها، فذكرها ذات يوم فحملتني الغيرة فقلت : وهل كانت إلاّ عجوزاً قد أخلف الله لك خيراً منها ؟ قالت : فغضب حتى اهتز مقدّم شعره وقال : « والله ما أخلف لي خيراً منها ، لقد آمنت بي إذ كفر الناس ، وصدّقتني إذ كذّبني الناس وأنفقتني مالها إذ حرمني الناس ، ورزقني الله أولادها إذ حرمني أولاد النساء » . قالت : فقلت في نفسي : والله لا أذكرها بسوء أبداً[11] .



وفي رواية : أنّ جبرئيل (عليه السلام) أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال : « يا محمد! هذه خديجة قد أتتك فاقرأها السلام من ربّها ، وبشّرها ببيت في الجنة من قصب، لاصخب فيه ولا نصب »[12] .



وكان (صلى الله عليه وآله) يحترم صديقاتها إكراماً وتقديراً لها، كما جاء عن أنس

أنّ النبّي (صلى الله عليه وآله) كان إذا اُتي بهدية قال : «إذهبوا إلى بيت فلانة فإنّها كانت صديقة لخديجة ، إنّها كانت تحّبها»[13] .



وروي عنه (صلى الله عليه وآله) أنّه كان إذا ذبح الشاة يقول : «أرسلوا إلى أصدقاء خديجة»، فتسأله عائشة في ذلك فيقول : «إنّي لاُحب حبيبها» .



وروي أنّ امرأة جاءته (صلى الله عليه وآله) وهو في حجرة عائشة فاستقبلها واحتفى بها ، وأسرع في قضاء حاجتها ، فتعجّبت عائشة من ذلك، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «إنّها كانت تأتينا في حياة خديجة» .



إنّ خديجة لَتستحق كلّ هذا التقدير والاحترام من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد أن بلغت المقام السامي والدرجة العالية عند الله حتى حباها ربّ العالمين بالدرجة الرفيعة في الجنة، وقد أوضح رسول الله مكانتها في الجنة بقوله (صلى الله عليه وآله) : «أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم إمرأة فرعون»[14] .



وكانت خديجة تؤازره على أمره في تبليغ الدعوة، فخفّف الله عن رسوله (صلى الله عليه وآله) بمؤازرتها، فكانت تسرّه وتروّح عنه عندما كان يجد قسوة وغلظة أو ما يكره من ردّ وتكذيب من قريش فيحزن فإذا رجع إلى داره هوّنت عليه معاناته (صلى الله عليه وآله) وبثّت فيه النشاط كي لا يشعر بالتعب، وكان الرسول (صلى الله عليه وآله) يسكن اليها ويشاورها في المهم من اُموره[15] .