تواطأت زمر الشرّ على أن لا تبقي للحقّ راية تخفق أو يداً تطول فتصلح أو صوتاً يدوّي فيكشف زيغ وفساد الظالمين والمنحرفين ، فبالأمس كان أبو سفيان يمكر ويغدر ويفجر ويخطّط لقتل النبيّ الأكرم صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم لوأد الرسالة الإلهية في مهدها ، ولكنّ الله أبى إلاّ أن يتمّ نوره .

وها هو معاوية بن أبي سفيان يستفيد من نتائج انحراف السقيفة ، ويتمّم ما بدأه أبوه سعياص للقضاء على الرسالة الإسلامية ، تعينه في ذلك قوى الجهل والضلالة والعمى ، فخطّطوا لقتل ضمير الأمة الحيّ وصوت الحقّ والعدل وحامل لواء الإسلام الخالد ومحيي الشريعة المحمديّة السمحاء .

واجتمعت ضلالتهم على أن يطفئوا نور الهدى ليبقى الظلام يلفّ انحرافهم وفسادهم ، فامتدّت يد الشيطان لتصافح ابن ملجم في عتمة الليل، وفي ختلة وغدرة هوت بالسيف على هامة طالما استدبرت الدنيا واستقبلت بيت الله وهي ساجدة ، وغادرتها منها في تلك الحال .

لقد اجتمعت عصابة ضالّة على قتل أمير المؤمنين عليه السلام لا يبعد أن كان محرّكها معاوية ، واتفقوا أن يداهموا الإمام عند ذهابه لصلاة الفجر ، فما كان أحد يجرؤ على مواجهة الإمام عليه السلام .

ــــــــــــ

(١) استشهد أمير المؤمنين في شهر رمضان عام (٤٠) هـ .


ولمّا كانت ليلة تسع عشرة من شهر رمضان ؛ كان الإمام عليه السلام يكثر التأمل في السماء وهو يردّد :(ما كذبت ولا كذّبت إنّها الليلة التي وعدت بها) (١) وأمضى عليه السلام ليلته بالدعاء والمناجاة ، ثمّ خرج إلى بيت الله لصلاة الصبح فجعل يوقظ الناس على عادته إلى عبادة الله فينادي :الصلاة الصلاة .

ثمّ شرع عليه السلام في صلاته ، وبينما هو منشغل يناجي ربّه إذ هوى المجرم اللعين عبد الرحمن بن ملجم وهو يصرخ بشعار الخوارج (الحكم لله لا لك) ووقع السيف على رأسه المبارك فقدّ منه فهتف الإمام عليه السلام :(فزت وربّ الكعبة) (٢) .

ولمّا علت الضجّة في المسجد ؛ أقبل الناس مسرعين فوجدوا الإمام عليه السلام طريحاً في محرابه ، فحملوه إلى داره وهو معصّب الرأس والناس يضجّون بالبكاء والعويل ، واُلقي القبض على المجرم ابن ملجم ، وأوصى الإمام عليه السلام ولده الحسن وبنيه وأهل بيته أن يحسنوا إلى أسيرهم وقال :(النفس بالنفس ، فإن أنا مُتّ فاقتلوه كما قتلني ، وإن أنا عشت رأيت فيه رأيي) (٣) .