نهض الإمامان الحسن والحسين عليهما‌ السلام بتجهيز أمير المؤمنين وما يترتّب عليهما من إجراءات الدفن من غسل وتكفين ، ثمّ صلى الإمام الحسن عليه السلام على أبيه ومعه ثلّة من أهل بيته وأصحابه ، ثمّ حملوا الجثمان الطاهر إلى مثواه الأخير ، فدفن في النجف قريباً من الكوفة ، وتمّت كلّ الإجراءات ليلاً(٢) .

ثمّ وقف صعصعة بن صوحان يؤبّن الإمام عليه السلام فقال :

هنيئاً لك يا أبا الحسن ! فلقد طاب مولدك ، وقوي صبرك ، وعظم جهادك ، وظفرت برأيك ، وربحت تجارتك ، وقدمتَ على خالقك فتلقّاك الله ببشارته وحفّتك ملائكته ، واستقررتَ في جوار المصطفى فأكرمك الله بجواره ، ولحقتَ بدرجة أخيك المصطفى ، وشربت بكأسه الأوفى ، فأسأل الله أن يمنَّ علينا باقتفائنا أثرك ، والعمل بسيرتك ، والموالاة لأوليائك ، والمعاداة لأعدائك ، وأن يحشرنا في زمرة أوليائك ، فقد نلتَ ما لم ينله أحد ، وأدركت ما لم يُدركه أحد ، وجاهدت في سبيل ربّك بين يدي أخيك المصطفى حقّ جهاده ، وقمت بدين الله حقّ القيام ، حتى أقمتَ السنن وأبرت الفتن واستقام الإسلام وانتظم الإيمان ، فعليك منّي أفضل الصلاة والسلام .

ــــــــــــ

(١) تأريخ الطبري : ٤ / ١١٤ ط مؤسسة الأعلمي ، راجع أيضاً نهج البلاغة : باب الكتب ٤٧ طبعة صبحي الصالح .

(٢) بحار الأنوار ك ٤٢ / ٢٩٠ .


ثمّ قال : لقد شرّف الله مقامك ن وكنت أقرب الناس إلى رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم نسباً ، وأوّلهم إسلاماً ، وأوفاهم يقيناً ، وأشدّهم قلباً ، وأبذلهم لنفسه مجاهداً ، وأعظمهم في الخير نصيباً ، فلا حرمنا أجرك ، ولا أذلّنا بعدك ، فو الله لقد كانت حياتك مفاتح الخير ومغالق الشر ، وإنّ يومك هذا مفتاح كلّ شر ومغلاق كلّ خير ، ولو أنّ الناس قبلوا منك ؛ لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، ولكنّهم آثروا الدنيا على الآخرة(١) .

* * *

ــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٤٢ / ٢٩٥ .