ولمّا بلغ خبر التحكيم إلى الإمام عليه السلام تألّم كثيراً ن وخطب في الناس يحثّهم ويدلّهم على إصلاح الخطأ الذي تورّطوا فيه وذكّرهم بنصحه لهم ، فقال عليه السلام :(إنّ مخالفة الناصح الشفيق المجرّب تورث الحسرة وتعقب الندامة ، وقد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري، ونخلت لكم مخزون رأيي لو كان يطاع لقصير أمر فأبيتم عليَّ إباء المخالفين الجفاة المنابذين العصاة حتى ارتاب الناصح بنصحه وضّنَّ الزند بقدحه ، فكنت وإيّاكم كما قال أخو هوازن :

أمرتكم أمري بمنعرج اللوى

فلم تستبينوا النصح إلاّ ضحى الغد

ألا إنّ هذين الرجلين ـ أبا موسى الأشعري وابن العاص ـاللّذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما ، وأحييا ما أمات القرآن ، واتّبع كلّ واحد منهما

ــــــــــــ

(١) تأريخ الطبري : ٤ / ٥٣ ـ ٥٨ .

(٢) تأريخ الطبري : ٤ / ٥٤ ، والكامل في التأريخ : ٣ / ٣٣٤ ، ومستدرك وسائل الشيعة : ٢ / ٢٥٤ .


هواه بغير هدىً من الله ، فحكما بغير حجّة بيّنة ولا سنّة ماضية ، واختلفا في حكمهما وكلاهما لم يرشد ، فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين ، استعدوا وتأهّبوا للمسير إلى الشام ، وأصبحوا في معسكركم إن شاء الله (١) .

وكتب الإمام إلى عبد الله بن عباس أن يعبّئ أهل البصرة للالتحاق بالإمام عليه السلام لقتال معاوية ، فالتحقت جموع البصرة بالكوفة ، ولكن عبث الخوارج الذين تجمّعوا من البصرة والكوفة متّجهين نحو النهروان وفسادهم في الأرض أقلق أصحاب الإمام عليه السلام من تركهم خلفهم لو توجّهوا إلى الشام فطلبوا من الإمام أن يقضي على الخوارج أوّلاً(٢) .

وكان من عيث الخوارج أنّهم قبضوا على عبد الله بن خباب وزوجته فقتلوه ، وبقروا بطن امرأته ، وألقوا ما فيها من دون مبرّر ، وكذلك قتلوا الحارث بن مرّة العبدي رسول الإمام عليه السلام إليهم(٣) .