لم يزل الإمام عليّ عليه السلام
مظلوماً يدفع بحقّه بعيداً عنه ، يتألّم على الخلافة إذ تلكّأت وعلى الرسالة إذ ضمرت ، لا يجد سبيلاً إلاّ الصبر وهو الحليم ولا يجد إلاّ الأناة وهو البصير ، وقد عبّر عن أحزانه وآلامه في خطبته الشهيرة بالشقشقيّة إذ قال :
ــــــــــــ
( أما والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة ، وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى ، ينحدر عنّي السيل ولا يرقى إليّ الطير ، فسدلت دونها ثوباً ، وطويت عنها كشحاً ن وطفقت أرتئي بين أن أصول بيدٍ جذّاء أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربّه ، فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجا ، أرى تُراثي نهباً ، حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى ابن الخطاب بعده ، فيا عجباً بينا هو يستقيلها في حياته
إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشدّ ما تشطّرا ضرعيها ، فصيّرها في حوزة خشناء ، يغلظ كلمها ، ويخشن مسها ، ويكثر العثار فيها والاعتذار منها )
.
لم تطل أيّام أبي بكر فقد ألمّت به الأمراض وأشرف على الموت ، وقد صمّم على أن يولي عمر الخلافة من بعده ، فاعترض أكثر المهاجرين والأنصار ، وأعلنوا كراهيّتهم لهذا القرار لما علموا من خشونة أخلاق عمر وسوء تعامله مع الناس
.
لكنّ أبا بكر أصرّ على موقفه .
ثمّ إنّ أبا بكر أحضر عثمان بن عفّان لوحده ليكتب عهده لعمر ، فقال له : اُكتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين ، أما بعد ثمّ أغمي على أبي بكر ، فكتب عثمان : فإنّي قد استخلفت عليكم عمر بن الخطّاب ولم آلكم خيراً ، ثمّ أفاق أبو بكر فقال : إقرأ عليّ ، فقرأ عليه فكبّر أبو بكر
ــــــــــــ
وقال : أراك خِفتَ أن يختلف الناس إن مُتُّ في غشيتي ، قال : نعم ، قال : جزاك الله خيراً
.