١ ـ الاستبداد بالرأي والقرار ، فقد استهان المشاركون في السقيفة بوصايا رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم للمسلمين بالاهتمام بعترته الطاهرة ، واستخفّوا بأوامره المصرّحة

ــــــــــــ

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١ / ١٩٠ ط دار إحياء التراث العربي ن وتأريخ الطبري : ٣ / ٢٩٢ قصة الشورى ، والكامل في التأريخ : ٣ / ٦٥ .

(٢) مروج الذهب للمسعودي : ٣ / ١٩٩ ، وقعة صفّين لنصر بن مزاحم ك ١١٩ .

(٣) الإمامة والسياسة : ٢٩ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٦ / ١١ .

(٤) راجع خطبة الزهراء في مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبحار الأنوار ك ٢٩ / ٢٢٠ .


بلزوم الاقتداء بهم والتمسّك بحبلهم ، ولو فرض ـ جدلاً ـ أنّه لا نصّ بالخلافة من رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم على أحد من آل محمد وفرض كونهم غير متميّزين في حسب أو نسب أو أخلاق أو جهاد أو علم أو عمل أو إيمان أو إخلاص ، بل كانوا كسائر الصحابة ، فهل كان ثمّة مانع شرعيّ أو عقليّ أو عرفيّ يمنع تأجيل عقد البيعة إلى حين الانتهاء من تجهيز رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم (١) ؟!

إن هذا الاستعجال من المبادرين لسدّ الفراغ الذي خلّفته وفاة الرسول صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على وجود نصوص أو أرضية تشريعية كان ينبغي تفويتها والمبادرة لأخذ زمام الأمر ، لئلاً تأخذ النصوص فاعليتها إن جرت الأمور بشكل طبيعي ، ولهذا قال عمر عن بيعة أبي بكر : إنّها كانت فلتة وقى الله المسلمين شرّها ألا ومن عاد لمثلها فاقتلوه(٢) .

٢ ـ البيعة لم تكن جامعة لأهل الحلّ والعقد الذي يعتبر شرطاً أساسياً في حصول الإجماع وفي مشروعية الانتخاب ، إذ اُلغي في السقيفة استشارة الطبقة الرفيعة من الصحابة مثل عليّ عليه السلام والعباس وعمار بن ياسر وسلمان وخزيمة بن ثابت وأبي ذر وأبي أيوب الأنصاري والزبير بن العوام وطلحة وأبي بن كعب ، وغيرهم كثير .

٣ ـ استعمال العنف والقسوة في طريقة أخذ البيعة من المسلمين ، فإنّ كثيراً من المسلمين قد أرغموا عليها ، وقد لعبت دِرَّة عمر في سبيل تحقيقها وإيجادها دوراً كبيراً .

٤ ـ لقّنت السقيفة مفاهيم منحرفة للأمة ، منها :

أ ـ الاستعلاء على الأمة والاستخفاف بشأنها تحت شعار (مَن ذا ينازعنا سلطان محمّد ؟ ! ) .

ــــــــــــ

(١) النص والاجتهاد للسيد شرف الدين : ٢٥ ط اُسوة .

(٢) تذكرة الخواص : ٦١ ، وراجع صحيح البخاري : كتاب الحدود ، باب رجم الحبُلى .


ب ـ تحويل مفهوم النبوّة الرّبانية وخلافة الرسول صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم إلى مفهوم السلطة العشائرية التي تستمد قوّتها وشرعيتها من انتخاب أبناء العشيرة وليس من نصوص الشريعة المقدّسة .

ج ـ فسح المجال أمام المسلمين لطرح التعددية في السلطة ومنافسة مَن فرض الله طاعته بالنصّ ، وتشجيع التمرّد على الحاكم المعصوم المنصوب بأمر من الله تعالى ، كما قالوا : منّا أمير ومنكم أمير .

د ـ هيّأ اجتماع السقيفة الأرضيّة المناسبة لتجاوز وجود الأمة وتجاوز رأيها السياسي كما حصل ذلك مرة أخرى عند تعيين عمر ، وثالثة عند وفاة عمر متمثلاً في الشورى التي فرضها عمر على المسلمين .