دوّن أكثر المؤرّخين هذا الحديث في كتبهم على هذا النحو ، ولم يذكروا من وصاياه إلاّ وصيّتين وسكتوا عن الثالثة أو تناسوها مجاراةً للحاكمين الّذين تقمّصوا الخلافة بعد الرسول صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم ، في حين أنّه لم يسبق لأحد من الرواة لأحاديثه صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم أن نسي شيئاً أو فاته دون أن يدوّنه حتى يمكن القول بأنّهم

ــــــــــــ

(١) وممّا يؤكّد هذا الظنّ أنّ الصحابة الذين أبوا الخروج في جيش أسامة كانوا يخشون تكرار الموقف الذي حصل في غزوة تبوك عندما استخلف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً في المدينة ومن ثمّ تصريحه(أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي) ممّا أثار الريب والحسد في نفوسهم .

بل إنّهم أدركوا أنّ الأمر في هذه المرّة يحمل أبعاداً أخرى تتعدّى مسألة الخروج مع جيش أسامة ، خاصةً بعد أن رأوا الرسول يصرّ على خروجهم ويستثني عليّاً ، وعلامات المرض تشتد عليه ، وفي هذه الفترة كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكرّر عليهم بأنّي أوشك أن أُدعى فأجيب .

(٢) الطبقات الكبرى لابن سعد : ٤ / ٦٠ ، وتأريخ الطبري : ٢ / ٤٣٦ ط مؤسسة الأعلمي ، والكامل في التأريخ لابن الأثير : ٢ / ٣٢٠ ، والإرشاد للمفيد : ١ / ١٨٤ .


أحصوا حتى أنفاسه صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم فكيف نسي الحاضرون على كثرتهم وازدحامهم عنده وصيّته الثالثة وهو في حالة الوداع لهم ؟ وهم ينتظرون كلّ كلمة تصدر منه تهدّئ من روعهم وتبعث الأمل في نفوسهم نحو المستقبل ؟ ولولا أنّ الثالثة تأكيد لنصوصه صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم السابقة على خلافة عليّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم ؛ لم ينسها أو لم يتغافل عنها أحد من الرواة أولئك(١) !