وكان رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم قبل بدء أمره إذا أراد الصلاة خرج إلى شعاب مكّة مستخفياً، وأخرج عليّاً عليه السلام معه فيصلّيان ما شاء الله، فإذا قضيا رجعا إلى مكانهما، فمكثا يصلّيان على استخفاء من أبي طالب وسائر عمومتهما وقومهما، ثمّ إنّ أبا طالب مرّ عليهما فقال لرسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم : ما هذا الذي أراك تدين به؟

قال صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم :(هذا دين الله وملائكته ودين رسله ودين أبينا إبراهيم، بعثني الله به نبيّاً إلى العباد، وأنت ياعمّ أحقّ من أبديتُ النصيحة له ودعوتُه إلى الهدى، وأحقّ من أجابني إليه وأعانني عليه) .

وقال عليّ عليه السلام :(يا أبت، قد آمنت برسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم واتّبعته وصلّيت معه لله) .

ــــــــــــ

(١) تأريخ دمشق لابن عساكر: ١ / ٤٩ رقم الحديث ٨٨ .

(٢) البقرة (٢) : ٤٣.

(٣) شواهد التنزيل للحسكاني: ١ / ٨٥ .

(٤) المناقب لابن المغازلي: ١٤ رقم الحديث ١٩، وروى نحوه الشيخ المفيد في الإرشاد: ٣٠ الفصل ١ الباب ٢، وأسد الغابة لابن الأثير: ٤ / ١٨ مثله.


فقال له: يا بُنيّ، أما إنّه لم يدعك إلاّ إلى الخير فالزمه(١) .

وهناك موقف آخر لعمّه العباس رواه عفيف الكندي حيث قال: كنت إمرأً تاجراً فقدمت الحجّ، فأتيت العباس بن عبد المطّلب لأبتاع منه بعض التجارة، فوالله إنّي لعنده بمنى إذ خرج رجل من خِباء قريب منه، فنظر إلى الشمس فلمّا رآها قد مالت قام يصلّي، ثمّ خرجت امرأة من ذلك الخباء الذي خرج منه ذلك الرجل، فقامت خلفه تصلّي، ثمّ خرج غلام راهق الحلم من ذلك الخِباء فقام معه يصلّي، فقلت للعبّاس: ما هذا يا عبّاس؟ قال: هذا محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي، فقلت: من هذه المرأة؟ قال: امرأته خديجة بنت خويلد، قلت: من هذا الفتى؟ قال: عليّ بن أبي طالب ابن عمّه، قلت: ما هذا الذي يصنع؟ قال: يصلّي وهو يزعم أنّه نبيّ، ولم يتبعه على أمره إلاّ امرأته وابن عمّه هذا الغلام، وهو يزعم أنّه سيفتح على أمته كنوزَ كسرى وقيصر(٢) .

نعم، بعد أن تشكّلت نواة الأمة الإسلامية المباركة من رسول الله وعليّ وخديجة، وأخذ خبر الدين الجديد يتفشّى في صفوف القرشيين، وطفق الذين هداهم الله للإيمان يتقاطرون على الإسلام، وأخذ عود المسلمين يقوى ويشتدّ أزره، وبعد عدّة سنوات تحوّل إلى كيان قويّ وقادر على الإعلان عن نفسه على الجماهير والمواجهة والتحدّي من أجل الدين والعقيدة فأمر الله سبحانه وتعالى نبيّه الكريم صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم أن يصدع بما يؤمر، وكان أصحاب رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم قبل ذلك إذا أرادوا الصلاة يذهبون إلى الشعاب فيستخفون، فلما صلّى بعض الصحابة في الشعب اطّلع عليهم نفر من المشركين منهم أبو سفيان بن حرب والأخنس بن

ــــــــــــ

(١) الفصول المهمّة لابن الصباغ: ٣٣، والكامل في التأريخ: ١ / ٥٨ ، وأخرج مثله الطبري في تأريخه: ٢ / ٥٨.

(٢) مسند أحمد: ١ / ٢٩، والخصائص للنسائي: ٣، وتأريخ دمشق لابن عساكر: ١ / ٥٨، وكفاية الطالب للكنجي: ١٢٩، والكامل في التأريخ: ٢ / ٥٧.


شريق وغيرهما، فسبّوهم وعابوهم حتى قاتلوهم(١) .