ولد الإمام علي عليه السلام قبل البعثة النبوية بعقد واحد، وعاصر إرهاصات البعثة وكل حركة الرسالة خلال العهد المكّي ـ وهو عهد بناء الأمة المسلمة وتكوين القاعدة الرسالية الصلبة ـ كما عاصر كل أحداث العهد المدني، حيث تم فيه بناء الدولة الإسلامية بقيادة سيّد المرسلين صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم ، وساهم بكل وجوده في بناء هذا الكيان الشامخ حتى تجلّى للجميع عمق وجوده في هذا البناء الرسالي الفريد.

وحمل الإمام عليه السلام بأمر من رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم مشعل الهداهية الربّانية والقيادة الإسلامية بعد وفاة الرسول صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم رغم تراجع جمع من الصحابة وتمرّدهم على نصوص الرسول صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وخذلانهم للإمام عليه السلام والحيولة دون استلامه للقيادة السياسية ولكنه استمر في انجاز مهمامّه الرسالية في تلك الظروف العصيبة وعايس الخلفاء رغم انه كان يرى محلّه من القيادة محل القطب من الرحى فصبر وفي العين قذى مدة عقدين وصنف عقد حتّى انكشفت للأمة جملة من نتائج انحرافها الخطير عن تخطيط الرسول الأمين.

من هنا التجأت الأمة إلى الإمام لتسلم له زمام أمرها بعد تلك الخطوب وذلك التصدع الذي طال كيانه فحمل عبء القيادة بكل جدارة خلال نصف عقد فقط حتّى قدّم دمه الطاهر في سبيل الله رخيصا يبتغي به رضوان الله تعالى تثبيتا للقيم الرسالية التي جاهد من أجل إرسائها في وجدان المجتمع الإسلامي وضمير المجتمع الإنساني.

وعلى هذا تنقسم حياة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام إلى شطرين رئيسين:

الشطر الأول: حياته منذ ولادته وحتّى وفاة سيد المرسلين صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم .

الشطر الثاني: حياته من حين وفاة الرسول الأعظم صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وتولّيه لمهامّ الإمامة الشرعية وحتّى استشهاده عليه السلام في محراب العبادة.

ــــــــــــ

(١) الفصول المهمة لابن الصباغ: ٣٢، وفي فرائد السمطين: ١ / ٣٧٩: (صنعت شيئاً لم تصنعه بأحد) وروى إسلام فاطمة بنت أسد وهجرتها وحنانها ورعايتها للرسول ووفاتها وما قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فضلها كثير من الحفّاظ والمؤلّفين في كتبهم كابن عساكر وابن الأثير وابن عبد البرّ ومحب الدين الطبري ومحمد بن طلحة والشبلنجي وابن الصبّاغ البلاذري وغيرهم.


ونظرا لتنوّع الأدوار والظروف التي عاشها عليه السلام يمكننا أن نصنّف حياته إلى عدّة مراحل:

المرحلة الأولى: من الولادة إلى البعثة النبويّة المباركة.

المرحلة الثانية: من البعثة إلى الهجرة.

المرحلة الثالثة: من الهجرة إلى وفاة الرسول صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم .

وهذه المراحل الثلاث تدخل في الشطر الأول من حياته وقد تجلّى فيها انقياده المطلق للرسول صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم والدفاع المستميت عن الرسالة والرسول صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم .

المرحلة الرابعة: حياة الإمام في عهد (أبي بكر وعمر وعثمان(.

المرحلة الخامسة: حياته في عهد دولته.

وسوف ندرس المراحل الثلاث الأولى في الفصل الثالث من الباب الثاني.

كما نبحث عن المرحلة الرابعة من حياته في الباب الثالث بفصوله الأربعة، ونخصص الباب الرابع بالمرحلة الخامسة من حياته عليه السلام .