هو جعفر بن المعتصم بن الرشيد ، أُمّه أُمّ ولد اسمها شجاع .

أظهر الميل إلى السنّة ، ورفع المحنة وكتب بذلك إلى الآفاق سنة (٢٣٤ هـ) ، واستقدم المحدّثين إلى سامرّاء وأجزل عطاياهم وأمرهم أن يحدّثوا بأحاديث الصفات والرؤية .

وقالوا عنه : إنّه كان منهمكاً في اللذات والشراب ، وكان له أربعة آلاف سُرِّيّة ( أمَة يتسرّى بها ) .

وقال علي بن الجهم : كان المتوكل مشغوفاً بقبيحة أم المعتزّ ، والتي كانت أُم ولد له ، ومن أجل شغفه بها أراد تقديم ابنها المعتزّ على

ــــــــــــــ

(١) أُصول الكافي : ١ / ٤٩٨ ح ١ ب ١٢٢ .


ابنه المنتصر بعد أن كان قد بايع له بولاية العهد ، وسأل المنتصر أن ينزل عن العهد فأبى ، فكان يُحضره مجلس العامّة ويحطّ منزلته ويتهدّده ويشتمه ويتوعّده(١) .

وكان المتوكل مسرفاً جداً في صرف بيت المال على الشعراء الذين يتقرّبون إليه بالمديح ـ في الوقت الذي كان عامة الناس يشتكون الفقر والحاجة ـ حتى قالوا : ما أعطى خليفة شاعراً ما أعطى المتوكّل ، وفيه قال مردان ابن أبي الجنوب :

فامسِك ندى كفّيك عنّي ولا تزد

فقد خفتُ أن أطغى وأن اتجبّرا

فقال المتوكل : لا أمسك حتى يغرقك جودي ، وكان قد أجازه على قصيدة بمائة ألف وعشرين ألفاً(٢) .

ولعلّ مَن وصف المتوكل بالجود سوف يتراجع عن وصفه إذا سمع أن المتوكّل قال للبحتري : قُل فيّ شعراً وفي الفتح بن خاقان ، فإنّي أحب أن يحيا معي ولا أفقده فيذهب عيشي ولا يفقدني ، فقل في هذا المعنى ، فقال البحتري :

يا سيّدي كيف أخلفتَ وعدي

وتثاقلت عن وفاء بعهدي ؟

لا أرتني الأيام فقدك يا فتـ

ـحُ ولا عَرَّقتْك ما عشتَ فقدي

أعظم الرزء أن تقدّمَ قبلي

ومن الرزء أن تؤخّر بعدي

حذراً أن تكون إلفاً لغيري

إذ تفرّدت بالهوى فيك وحدي

وقد قتل المتوكل والفتح بن خاقان في مجلس لهوهما في ساعة واحدة وفي جوف الليل في الخامس من شوّال سنة (٢٤٧ هـ) كما سوف يأتي بيانه .

ــــــــــــــ

(١) تاريخ الخلفاء : ٣٤٩ ـ ٣٥٠ .

(٢) تاريخ الخلفاء : ٣٤٩ ـ ٣٥٠ .