تؤكد الأحاديث الشريفة وباهتمام بالغ على عظمة آثار انتظار الفرج; بعنوانه العام الذي ينطبق على الظهور المهدوي كأحد مصاديقه البارزة; وكذلك على انتظار ظهور الإمام بالخصوص. فبعضها تصفه بأنه أفضل عبادة المؤمن كما هو المروي عن الإمام علي عليه السلام : «أفضل عبادة المؤمن انتظار فرج الله»(١) ، وعبادة المؤمن أفضل بلا شك من عبادة مطلق المسلم، فيكون الانتظار أفضل العبادات الفضلى إذا كان القيام به بنية التعبد لله وليس رغبة في شيء من الدنيا; ويكون بذلك من أفضل وسائل التقرب الى الله تبارك وتعالى كما يشير الى ذلك الإمام الصادق عليه السلام في خصوص انتظار الفرج المهدوي حيث يقول: «طوبى لشيعة قائمنا، المنتظرين لظهوره في غيبته والمطيعين له في ظهوره، أولئك أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون»(٢) . ولذلك فإن انتظار الفرج هو «أعظم الفرج»(٣) كما يقول الإمام السجاد عليه السلام ، فهو يدخل المنتظر في زمرةِ أولياء الله.

ـــــــــــ

(١) المحاسن للبرقي وعنه في بحار الأنوار: ٥٢/ ١٣١ .

(٢) كمال الدين: ٣٥٧.

(٣) كمال الدين: ٣٢٠ .


وتعتبر الأحاديث الشريفة أنّ صدق انتظار المؤمن لظهور إمام زمانه الغائب يعزز إخلاصه ونقاء إيمانه من الشك، يقول الإمام الجواد عليه السلام : «...له غيبة يكثر أيامها ويطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون..»(١) وحيث إن الانتظار يعزز الإيمان والإخلاص لله عز وجل والثقة بحكمته ورعايته لعباده، فهو علامة حسن الظن بالله، لذا فلاغرابة أن تصفه الأحاديث الشريفة بأنه: «أحب الأعمال الى الله»(٢) ، وبالتالي فهو «أفضل أعمال أمتي»(٣) كما يقول رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم .

الانتظار يرسخ تعلق الإنسان وارتباطه بربه الكريم وإيمانه العملي بأن الله عز وجل غالب على أمره وبأنه القادر على كل شيء والمدبر لأمر خلائقه بحكمته الرحيم بهم، وهذا من الثمار المهمة التي يكمن فيها صلاح الإنسان وطيّه لمعارج الكمال، وهو الهدف من معظم أحكام الشريعة وجميع عباداتها وهو أيضاً شرط قبولها فلا قيمة لها إذا لم تستند الى هذا الايمان التوحيدي الخالص الذي يرسخه الانتظار، وهذا أثر مهم من آثاره الذي تذكره الأحاديث الشريفة نظير قول الإمام الصادق عليه السلام : «ألا أخبركم بما لا يقبل الله عز وجل من العبادة عملاً إلاّ به... شهادة أن لا اله إلاّ الله وأن محمداً عبدُه ورسوله والاقرار بما أمر الله والولاية لنا والبراءة من أعدائنا ـ يعني الأئمة خاصة ـ والتسليم لهم، والورع والاجتهاد والطمأنينة والانتظار للقائم عليه السلام ...»(٤) .

ـــــــــــ

(١) كفاية الأثر: ٢٧٩، كمال الدين: ٣٧٨.

(٢) الخصال للشيخ الصدوق: ٢/ ٦١٠، كمال الدين: ٦٤٥، تحف العقول: ١٠٦.

(٣) كمال الدين: ٦٤٤.

(٤) غيبة النعماني: ٢٠٠، إثبات الهداة: ٣/ ٥٣٦.


وتصريح الأحاديث الشريفة بأن التحلي بالانتظار الحقيقي يؤهل المنتظر ـ وبالآثار المترتبة عليه المشار اليها آنفاً ـ للفوز بمقام صحبة الإمام المهدي كما يشير الى ذلك الإمام الصادق في تتمة الحديث المتقدم حيث يقول: «مَن سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر»، وكذلك يجعله يفوز بأجر هذه الصحبة الجهادية وهذا ما يصرح به الصادق عليه السلام حيث يقول: «مَن مات منكم على هذا الأمر منتظراً له كان كمن كان في فسطاط القائم عليه السلام ...»(١) ، ويفوز أيضاً بأجر الشهيد كما يقول الإمام علي عليه السلام : «الآخذ بأمرنا معنا غداً في حظيرة القدس والمنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل الله»(٢) ، بل ويفوز بأعلى مراتب الشهداء المجاهدين، يقول الصادق عليه السلام : «مَن مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كمن كان مع القائم في فسطاطه; قال الراوي: ثم مكث هنيئة، ثم قال: لا بل كمن قارع معه بسيفه، ثم قال: لا والله إلاّ كمن استشهد مع رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم »(٣) .

والأحاديث المتحدثة عن آثار الانتظار كثيرة ويُفهم منها أن تباين هذه الآثار في مراتبها يكشف عن تباين عمل المؤمنين بمقتضيات الانتظار الحقيقي، فكلما سمت مرتبة الانتظار تزايدت آثارها المباركة وبالطبع فإن الأمر يرتبط بتجسيد حقيقة ومقتضيات الانتظار، ولذلك يجب معرفة معناه الحقيقي، وهذا مانتناوله في الفقرة اللاحقة.