إنّ الإمام المهدي عليه السلام يقوم أيضاً في غيبته الكبرى بحفظ الإسلام النقي الذي يحمله مذهب أهل البيت عليهم السلام . وهذه المهمة من المهام الرئيسة للإمامة، ومن مظاهر قيامه عليه السلام بها في غيبته تسديد العمل الاجتهادي للعلماء والفقهاء ومنع إجماعهم على باطل بطريقة أو باُخرى: «لأن هذه الآثار والنصوص في الأحكام موجودة مع مَن لا يستحيل منه الغلط والنسيان، ومسموعة بنقل من يجوز عليه الترك والكتمان. وإذا جاز ذلك عليهم لم يؤمن وقوعه منهم إلاّ بوجود معصوم يكون من ورائهم، شاهد لأحوالهم، عالم بأخبارهم، إن غلطوا هداههم، أو نسوا ذكّرهم أو كتموا، علم الحق من دونهم.

وإمام الزمان عليه السلام وإن كان مستتراً عنهم بحيث لا يعرفون شخصه، فهو موجود بينهم، يشاهد أحوالهم ويعلم أخبارهم، فلو انصرفوا عن النقل، أو ضلّوا عن الحق لما وسعته التقية ولأظهره الله سبحانه ومنع منه الى أن يبين الحق وتثبت الحجة على الخلق»(١) .

والمقصود من الظهور هنا ليس الظهور العام بل المحدود لبعض العلماء وبالمقدار اللازم لتبيان الحق، وهذه من القضايا التي بحثها العلماء في باب الإجماع، فمثلاً يقول العلاّمة السيد محمد المجاهد في كتابه مفاتيح الأصول: «... البناء على قاعدة اللطف التي لأجلها وجب على الله نصب الإمام فإنها تقضي ردهم لو اتفقوا على الباطل فإنه من أعظم الألطاف، فإن امتنع حصوله بالطرق الظاهرة فبالأسباب )الخفية( إن وجود الإمام عليه السلام في زمن الغيبة لطف قطعاً; فيثبت فيه كل ما أمكن; لوجود المقتضي وانتفاء المانع. وإن هذا اللطف قد ثبت وجوبه قبل الغيبة فيبقى بعده بمقتضى الأصل )إضافة الى( أن النقل المتواتر قد دل على بقائه.

وقد ورد ذلك عن النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم والأئمة عليهم السلام بألفاظ ومعان متقاربة، فعن النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم : «إنّ لكل بدعة يُكاذب بها الإيمان ولياً من أهل بيتي موكلاً يذب عنه ويعلن الحق ويرد كيد الكائدين«، وعنه صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وعن أهل البيت «أن فيهم في كل خلف عدولاً ينفون عن الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين«.

ـــــــــــ

(١) كنز الفوائد للعلامة الكراجكي: ٢/ ٢١٩.


وفي المستفيض عنهم عليهم السلام «إن الارض لا تخلو إلاّ وفيها عالم اذا زاد المؤمنون شيئاً ردهم الى الحق وإن نقصوا شيئاً تمم ذلك ولولا ذلك لالتبس عليهم أمرهم ولم يفرقوا بين الحق والباطل».

وعن أمير المؤمنين عليه السلام في عدة طرق: «اللَّهُمَّ إنك لا تخلي الارض من قائم بحجة إما ظاهر مشهور أو خائف مغمور لئلا تبطل حججك وبيناتك..»، وفي بعضها: «لابد لأرضك من حجة لك على خلقك يهديهم الى دينك ويعلمهم علمك لئلا تبطل حجتك ولئلا يضل تُبّع أوليائك بعد إذ هديتهم به، إما ظاهر ليس بالمطاع أو مكتتم أو مترقب إن غاب عن الناس شخصه في حال هدايتهم فإنّ علمه وآدابه في قلوب المؤمنين مثبتة فيهم، بها عاملون».

وفي تفسير قوله تعالى:( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) )ورد (في عدّة روايات: «أن المنذر رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم ، وفي كل زمان إمام منا يهديهم الى ماجاء به النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم »، وفي بعضها )عن أئمة أهل البيت عليهم السلام في الآية(: «والله ماذهبت منا ومازالت فينا الى الساعة».

وعن أبي عبد الله ) الامام الصادق عليه السلام (قال: «ولم تخل الارض مُنذ خلقها الله تعالى من حجة له فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور ولن تخلو الى أن تقوم الساعة ولولا ذلك لم يعبد الله، قيل: كيف ينتفع الناس بالغائب المستور؟! قال عليه السلام : كما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب».

وعن الحجة القائم عليه السلام قال: «وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأنظار السحاب، وإني لأمان أهل الارض كما أن النجوم أمان أهل السماء».

والاخبار في هذا المعنى أكثر من أن تُحصى، ومقتضاها تحقق الرد عن الباطل والهداية الى الحق; من الإمام في زمن الغيبة والمراد حصولها بالاسباب


الخفية كما يشعر به حديث السحاب )الانتفاع بالإمام كالانتفاع بالشمس إذا غيبها السحاب( دون الظاهرة فانها منتفية بالضرورة، ولا ينافي ذلك تضمن بعضها الاعلان بالحق فانه من باب الاسناد الى السبب...»(١) .