أشرنا الى أن الغيبة ـ عموماً ـ إجراء تمهيدي كان لابدّ منه ليتمكن الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ من الظهور وإنجازه لمهمته الإصلاحية العالمية الكبرى.

وقد اقتضت الحكمة الإلهية أن تكون هذه الغيبة على مرحلتين.

والعلة واضحة; إذْ إنّ وقوع الغيبة الكاملة بصورة مفاجئة سوف يفقدها مجموعة من العوامل اللازمة لتأهيل المجتمع الإسلامي والبشري لظهوره عليه السلام وإقامة الدولة الإسلامية العالمية.

إذ المحور العام لعملية التأهيل هذا هو التمحيص الإعدادي ـ كما تشير لذلك الأحاديث الشريفة على ما سيأتي تفصيله خلال الحديث عن الغيبة الكبرى بإذن الله ـ، ومثل هذا التمحيص يحتاج الى جملة عوامل وقناعات عقائدية متينة تمثل قاعدة الاستناد للإنسان المسلم للنجاح في عملية التمحيص وتراكم الخبرات واللياقات النفسية والمعرفية عبر أجيال المجتمع الإسلامي استعداداً للظهور.

إن النبي الأكرم صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم والأئمة من أهل بيته عليهم السلام قد مهّدوا لهذه الغيبة بخطوات عديدة ازدادت عمقاً وشمولية كلمّا اقترب، أوآنها كالإخبار عن حتمية وقوعها، وخفاء ولادة صاحبها، وتوسيع العمل بنظام الوكلاء، وتوفير ما تحتاجه الأمة من المعارف الإسلامية والقواعد الشرعية التي يتم على أساسها استنباط الأحكام الشرعية وغير ذلك، إلا أن التمهيد للغيبة الكاملة بقي بحاجة الى خطوات تكميلية ونماذج تطبيقية تؤكدها وتبيّنها، وهذا ما قام به الإمام المهدي عليه السلام في الغيبة الصغرى وهو الإطار العام لسيرته وتحركه في هذه الفترة التي جاءت بمثابة مرحلة انتقال بين حالة الظهور الكامل للأئمة السابقين عليهم السلام وبين الغيبة الكاملة للمهدي الموعود، فهي في الواقع خطوة تمهيدية أخيرة للغيبة الكبرى.

والحقيقة المتقدمة نجدها متجلية بوضوح في سيرته عليه السلام في الغيبة الصغرى ومن خلال دراسة أهداف تحركاته فيها ومقارنة هذه الأهداف بالخصوصيات المميزة لفترة الغيبة الكبرى. لذلك ندخل الى الحديث عن سيرته عليه السلام من باب دراسة أهدافها بالتحديد لكي يتضح الترابط بينها وبين سيرته في الغيبة الكبرى.