سجلت المصادر الإسلامية الكثير من الأحاديث الشريفة المروية عن الرسول الأكرم صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وائمة أهل البيت عليهم السلام ; التي أخبرت عن حتمية وقوع غيبة الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ، وقد نقلنا نماذج لها ضمن الحديث عن خفاء ولادته، وننقل هنا نماذج أخرى لها.

فمنها ما رواه الحافظ صدر الدين ابراهيم بن محمد الحمويني الشافعي (٦٤٤ ـ ٧٢٢ هـ ) في كتابه فرائد السمطين، وغيره بأسانيدهم عن ابن عباس أن يهودياً اسمه نعثل ويكنى أبا عمارة جاء الى رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وسأله عن أشياء ترتبط بالتوحيد والنبوة والإمامة فأجابه عليها فأسلم الرجل وقال :

أشهد أن لا إله إلا الله، وانك رسول الله، وأشهد أنهم الأوصياء بعدك، ولقد وجدت هذا في الكتب المتقدمة، وفيما عهد الينا موسى عليه السلام : اذا كان آخر الزمان يخرج نبي يقال له « أحمد » خاتم الأنبياء لا نبي بعده، يخرج من صلبه ائمة ابرار عدد الأسباط.

فقال صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم «يا أبا عمارة اتعرف الأسباط»؟ قال: نعم يا رسول الله انهم كانوا اثني عشر.

قال: «فإن فيهم لاوي بن ارحيا». قال: أعرفه يا رسول الله، وهو الذي غاب عن بني اسرائيل سنين ثم عاد فأظهر شريعته بعد دراستها وقاتل مع فريطيا الملك حتى قتله.


وقال عليه السلام : «كائن في اُمتي ما كان من بني اسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، وان الثاني عشر من ولدي يغيب حتى لا يرى، ويأتي على اُمتي زمن لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه، فحينئذ يأذن الله له بالخروج فيظهر الإسلام ويجدد الدين». ثم قال عليه السلام : طوبى لمن أحبهم وطوبى لمن تمسك بهم، والويل لمبغضهم »(١) .

وروي عنه صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم أنه قال: « مَن أنكر القائم من ولدي في غيبته مات ميتة جاهلية»(٢) .

وقال صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم : « والذي بعثني بالحق بشيراً ليغيبن القائم من ولدي بعهد معهود إليه مني حتى يقول الناس ما لله في آل محمد من حاجة، ويشك آخرون في ولادته، فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه ولا يجعل للشيطان إليه سبيلاً بشكه فيزيله عن ملتي ويخرجه من ديني...»(٣) .

وقال صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم : « وجعل من صلب الحسين أئمة ليوصون بأمري ويحفظون وصيتي، التاسع منهم قائم أهل بيتي ومهدي اُمتي، أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله، ليظهر بعد غيبة طويلة وحيرة مضلّة، فيُعلن أمر الله ويظهر دين الحق...»(٤) .

ـــــــــــ

(١) فرائد السمطين: ٢/ ١٣٢.

(٢) كمال الدين: ٤١٣، كفاية الأثر : ٦٦، والأحاديث النبوية بهذا المعنى كثيرة راجعها في معجم أحاديث الإمام المهدي عليه‌السلام القسم الخاص بأحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ١/ ٢٥٦ ـ ٢٦٧.

(٣) كمال الدين : ٥١، إثبات الهداة: ٣/ ٤٥٩.

(٤) كفاية الأثر : ١٠.


وقال صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم : «لا بد للغلام من غيبة» فقيل له: ولِمَ يا رسول الله ؟ قال: يخاف القتل»(١) .

وقال صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم : « المهدي من ولدي تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الاُمم، يأتي بذخيرة الأنبياء عليهم السلام فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً »(٢) .

وعن الإمام علي عليه السلام قال ضمن حديث : «... ولكني فكرتُ في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً تكون له غيبة وحيرة يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون ...»(٣) . وقال عليه السلام « وإن للغائب منا غيبتين إحداهما أطول من الأخرى فلا يثبت على إمامته إلا مَن قوي يقينه وصحت معرفته »(٤) .

وروي في ذلك ايضاً عن الإمام الحسن بن علي عليه السلام ، كما تقدم في بحث ولادته عليه السلام .

وروي عن الإمام الحسين عليه السلام أنه قال: «لصاحب هذا الأمر (يعني المهدي) غيبتان إحداهما تطول حتى يقول بعضهم مات، وبعضهم: ذهب، ولا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره »(٥) .

وعن الإمام السجاد عليه السلام قال : « في القائم سنة من نوح وهو طول العمر »(٦) ، وقال عليه السلام : « إن للقائم منا غيبتين احداهما أطول من الأخرى »(٧) .

وعن الإمام الباقر عليه السلام : « لقائم آل محمد غيبتان إحداهما أطول من الاُخرى »(٨) .

ـــــــــــ

(١) علل الشرائع: ١/ ٢٤٣ وعنه في بحار الأنوار: ٥٢/ ٩٠.

(٢) فرائد السمطين: ٢/ ٣٣٥، وينابيع المودة للحافظ سليمان الحنفي : ٤٨٨.

(٣) الكافي للكليني: ١/ ٢٧٣.

(٤) ينابيع المودة للحافظ الحنفي : ٤٢٧.

(٥) الاشاعة في اشراط الساعة : ١٣.

(٦) كمال الدين : ٣٢١.

(٧) كمال الدين : ٣٢٣.

(٨) غيبة النعماني : ١٧٢.


وعن الإمام الصادق عليه السلام : « إن بلغكم عن صاحبكم غيبة فلا تنكروها »(١) ، «إن للقائم منّا غيبة يطول أمدها لأن الله عز وجل أبى إلا أن يجري فيه سنن الأنبياء عليهم السلام وأنه لابد يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم »(٢) .

وعن الإمام الكاظم عليه السلام : «أنا القائم بالحق ولكنّ القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً هو الخامس من ولدي له غيبة يطول أمدها...»(٣) .

وعن الإمام الرضا عليه السلام قال ضمن حديث عن القائم : ذاك الرابع من ولدي يغيّبه الله في ستره ما شاء ثم يظهره فيملأ ( به ) الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً(٤) .

وعن الإمام الجواد عليه السلام قال ضمن حديث : ما منّا إلاّ قائم بأمر الله وهاد الى دين الله ولكن القائم الذي يطهر الله عز وجل به الأرض من أهل الكفر والجحود ويملأها عدلاً وقسطاً هو الذي يخفى على الناس ولادته ويغيب عنهم شخصه...(٥) .

وعن الإمام الهادي عليه السلام قال: إنكم لا ترون شخصه...(٦) ،

وقال: إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقعوا الفرج(٧) .

وعن الإمام العسكري عليه السلام قال: والله إن صاحب هذا الأمر يحضر الموسم كل سنة فيرى الناس فيعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه...(٨) ، وقال : إبني محمد هو الإمام والحجة بعدي، مَن مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما إنه له غيبة يُحار فيها

ـــــــــــ

(١) غيبة الشيخ الطوسي: ١٠٢.

(٢) كمال الدين : ٤٨٠.

(٣) كفاية الأثر : ٢٦٥.

(٤) كمال الدين : ٣٧٦ وعنه في إعلام الورى: ٢/٢٤١ وكشف الغمة: ٣/ ٣١٤.

(٥) كفاية الأثر : ٢٧٧، بحار الأنوار: ٥٢/ ٢٨٣، احتجاج الطبرسي: ٢/ ٤٤٩.

(٦) الكافي: ١/ ٢٦٨.

(٧) كمال الدين : ٣٨٠.

(٨) كمال الدين : ٤٤٠.


الجاهلون...(١) ، وقال: إبني هذا، إنه سمي رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وكنيه، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً... مثله في هذه الاُمّة مثل الخضر ومثل ذي القرنين، والله ليغيبن غيبة...(٢) .

والأحاديث الشريفة بهذه المعاني كثيرة جداً متواترة من طرق أهل البيت عليهم السلام ونقلها العديد من حفاظ أهل السنة من مختلف مذاهبهم كما رأينا، والكثير منها مروي بأسانيد صحيحة، وهي من أوضح الأدلة على صحة غيبة الإمام المهدي وكونها بأمر الله عز وجل، حيث ثبت صدورها بل وتدوينها قبل وقوع الغيبة بزمن طويل، فجاءت الغيبة مصدقة لها مثبتة لصحة مضامينها وصدورها من ينابيع الوحي من علام الغيوب تبارك وتعالى حتى لو كانت مرسلة أو كان ثمة نقاش في بعض أسانيدها.

قال الشيخ الصدوق ـ رضوان الله عليه ـ : إن الأئمة عليهم السلام قد أخبروا بغيبته ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نُقل عنهم واستُحفظ في الصحف ودوّنَ في الكتب المؤلفة من قبل أن تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقل أو أكثر، وليس أحد من أتباع الأئمة عليهم السلام إلا وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودوّنه في مصنفاته وهي الكتب التي تعرف بالأصول مدونة مستحفظة عند شيعة آل محمد من قبل الغيبة بما ذكرناه من السنين...

فلا يخلو حال هؤلاء الاتباع المؤلفين للكتب أن يكونوا قد علموا بما وقع الآن من الغيبة فألفوا ذلك في كتبهم ودونوه في مصنفاتهم من قبل كونها، وهذا محال عند أهل اللب والتحصيل، أو أن يكونوا أسسوا في كتبهم الكذب فاتفق لهم الأمر كما ذكروا وتحقق كما وضعوا من كذبهم على بعد ديارهم

ـــــــــــ

(١) كفاية الأثر : ٢٩٢ وعن كمال الدين في اعلام الورى: ٢ /٢٥٣، وسائل الشيعة: ١٦/٢٤٦ ب٣٣ ح٢٣.

(٢) كمال الدين : ٣٨٤، الخرائج للقطب الراوندي: ٣/ ١١٧٤، وعن كمال الدين في إعلام الورى: ٢/٢٤٩ .


واختلاف آرائهم وتباين أقطارهم ومحالهم وهذا أيضاً محال كسبيل الوجه الأول، فلم يبق في ذلك إلا أنهم حفظوا عن أئمتهم المستحفظين للوصية عن رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم من ذكر الغيبة وصفة كونها في مقام بعد مقام الى آخر المقامات ما دونوه في كتبهم وألفوه في أصولهم. وبذلك وشبهه فلج الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً(١) .

ومما يزيد هذا الدليل الوجداني وضوحاً أن هذه الأحاديث الشريفة أخبرت عن تفصيلات دقيقة في شكل هذه الغيبة وهوية الإمام الغائب وانه الثاني عشر من الأئمة والتاسع من ذرية الحسين عليهم السلام وغير ذلك من التفصيلات التي لم تنطبق تأريخيّاً إلا على غيبة الإمام المهدي عليه السلام وهذا من الدلائل الاعجازية الواضحة على صحة إمامته وغيبته ـ عجل الله فرجه ـ .

ويقول الشيخ المفيد أيضاً : فقد كانت الأخبار عمن تقدم من أئمة آل محمد عليهم السلام متناصرة بأنه لابد للقائم المنتظر من غيبتين إحداهما أطول من الأخرى يعرف خبرَه الخاصُ في القصرى ولا يعرف العام له مستقراً في الطولى إلاّ مَن تولى خدمته من ثُقاة أوليائه... والأخبار بذلك موجودة في مصنفات الشيعة الإمامية قبل مولد أبي محمد ) الإمام العسكري (وأبيه وجده عليهم السلام ، وظهر حقها عند مضي الوكلاء والسفراء الذين سميناهم (رحمهم الله) وبان صدق رواتها بالغيبة الطولى وكان ذلك من الآيات الباهرات في صحة ما ذهبت إليه الإمامية ودانت به في معناه...(٢) .

وهذا الاستدلال يصدق في إثبات صحة كلا الغيبتين الصغرى والكبرى لأن الأحاديث الشريفة تحدثت عنهما وعن تفصيلاتهما.

ـــــــــــ

(١) كمال الدين: ١٩ من مقدمة المؤلف.

(٢) عدة رسائل للشيخ المفيد: ٣٦٢، الفصل الخامس من الفصول العشرة في الغيبة.