كان من اُولى المهمات التي قام بها الإمام المهدي عليه السلام بُعَيْد تسلمه مهام الإمامة هي الصلاة على أبيه الحسن العسكري عليهما‌ السلام في داره وقبل إخراج جسده الطاهر الى الصلاة « الرسمية » التي خططتها السلطات العباسية(٢) وكان قيامه بهذه الصلاة يعتبر أمراً مهماً في إثبات إمامته رغم المخاطر التي كانت تتوقع بعد نقل خبر هذه الصلاة.

روى الشيخ الطوسي بسنده عن أحمد بن عبدالله الهاشمي ـ وهو من ولد العباس ـ قال : «حضرتُ دار أبي محمد الحسن بن علي عليهما‌ السلام بسر مَن رأى يوم توفي واُخرجت جنازته ووضعت، ونحن تسعة وثلاثون رجلاً قعود ننتظر، حتى خرج علينا غلام عشاري حاف، عليه رداء قد تقنع به فلما أن خرج قمنا هيبة له من غير أن نعرفه، فتقدم وقام الناس فاصطفوا خلفه، فصلى عليه ومشى، فدخل بيتاً غير الذي خرج منه»(٣) .

وروى الشيخ الصدوق الحادثة نفسها بتفصيلات أدق عن أبي الأديان

ـــــــــــ

(١) مثل تكلّمه عند ولادته وهو في المهد، كمال الدين: ٤٣٣، ٤٤١ وغيرها، ومثل تحدثه بجوامع العلم والحكمة وهو صغير، غيبة الشيخ الطوسي : ١٤٨ وغيرها.

(٢) يظهر أن الصلاة الأولى كانت بحضور وجوه أصحاب الإمام وأرحامه والصلاة الرسمية كانت بحضور ممثلي السلطة العباسية ووجوه المدينة وعامة الناس، راجع تفصيلات ذلك في كتاب بحار الأنوار: ٥٠/ ٣٢٨.

(٣) غيبة الشيخ الطوسي : ١٥٥.


البصري أحد ثقاة الإمام العسكري عليه السلام ، حيث قال :

«كنت اخدم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام واحمل كتبه الى الأمصار فدخلت عليه في علّته التي توفّي فيها صلوات الله عليه فكتب معي كتباً وقال: «امض بها الى المدائن فإنك ستغيب اربعة عشر يوماً وتدخل الى (سر من رأى) يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل».

قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي فاذا كان ذلك فمن ؟ قال: «من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي»، فقلت: زدني فقال : «من اخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي» ثم منعتني هيبته ان اسأله عما في الهميان وخرجت بالكتب الى المداين واخذت جواباتها ودخلت (سر من رأى) يوم الخامس عشر كما قال لي عليه السلام واذا أنا بالواعية في داره واذا به على المغتسل واذا انا بجعفر الكذاب ابن علي اخيه بباب الدار والشيعة من حوله يعزونه ويهنؤونه فقلت في نفسي ان يكن هذا الإمام بطلت الإمامة لأني كنت اعرفه يشرب النبيذ ويقامر في الجوسق ويلعب بالطنبور فتقدمت فعزيت وهنئت فلم يسألني عن شيء ثم خرج عقيد فقال: يا سيدي قد كفن اخوك فقم فصلِّ عليه.

فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم السمان والحسن بن علي قبيل المعتصم المعروف بسلمة فلما صرنا في الدار اذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله عليه على نعشه مكفناً، فتقدم جعفر بن علي ليصلّي على اخيه فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة بشعره قطط باسنانه تفليج، فجذب برداء جعفر بن علي وقال:«تأخر يا عم فأنا احق بالصلاة على أبي» فتأخر جعفر وقد اربدّ وجهه واصفرّ وتقدم الصبي فصلى عليه ودفن الى جانب قبر ابيه عليهما‌ السلام ثم قال: «يا بصرى هات جوابات الكتب التي معك» فدفعتها إليه فقلت في نفسي : هذه بيّنتان بقي الهميان ثم خرجت الى جعفر بن علي وهو يزفر فقال له حاجز الوشا: يا سيدي من الصبي لنقيم الحجة عليه ؟


فقال: والله ما رأيته ولا اعرفه فنحن جلوس اذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي عليه السلام فتعرفوا موته فقالوا: فمن نعزي؟ فاشاروا الى جعفر ابن علي فسلموا عليه وعزوه وهنؤوه وقالوا: معنا كتب ومال فتقول ممن الكتب وكم المال؟ فقام ينفض اثوابه ويقول: تريدون منا أن نعلم الغيب؟! قال: فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان وهميان فيه الف دينار وعشرة دنانير منها مطلية فدفعوا إليه الكتب والمال وقالوا: الذي وجّه بك لأخذ ذلك هو الإمام.

فدخل جعفر بن علي على المعتمد وكشف ذلك فوجّه المعتمد بخدمه فقبضوا على صقيل الجارية فطالبوها بالصبي فأنكرته، وادعت أن بها حبلاً لتغطي على حال الصبي، فسلّمت الى ابن أبي الشوارب القاضي، وبغتهم موت عبيدالله بن خاقان فجأة وخروج صاحب الزنج بالبصرة فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت من أيديهم والحمد لله رب العالمين... »(١) .