أخبرت الكثير من الأحاديث الشريفة بأن ولادة المهدي من الحسن العسكري ستُحاط بالخفاء والسرية، ونسبت الإخفاء الى الله تبارك وتعالى وشبهت بعضها إخفاء ولادته باخفاء ولادة موسى وبعضها بولادة ابراهيم عليهما‌ السلام ، وبيّنت علّة ذلك الإخفاء بحفظه عليه السلام حتى يؤدي رسالته، نستعرض هنا نماذج قليلة منها.

فمثلاً روى الشيخ الصدوق في إكمال الدين والخزاز في كفاية الأثر مسنداً عن الإمام الحسن بن علي عليهما‌ السلام ضمن حديث قال فيه:

« أما علمتم أنه ما منّا إلا وتقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه، إلا القائم الذي يصلّي عيسى بن مريم خلفه ؟ ! وإن الله عز وجل يُخفي ولادته ويغيّب شخصه لئلاّ يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة النساء يطيل الله عمره في غيبته ثم يظهره بقدرته...»(٣) .

ـــــــــــ

(١) راجع الروايات التي جمعها السيد البحراني بشأن قصة الولادة من المصادر المعتبرة في كتابه تبصرة الولي : ٦ وما بعدها، وكذلك التلخيص الذي أجراه الميرزا النوري في النجم الثاقب: ٢/ ١٥٣ وما بعدها، وراجع غيبة الشيخ الطوسي الفصل الخاص باثبات ولادة صاحب الزمانعليه‌السلام : ٧٤ وما بعدها.

(٢) غيبة الشيخ الطوسي : ١٤٤.

(٣) كمال الدين: ٣١٥، كفاية الأثر : ٣١٧.


وفي حديث رواه الصدوق بطريقين عن الإمام علي عليه السلام قال: « إن القائم منا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة، فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه »(١) .

وروى عن الإمام السجاد عليه السلام أنه قال: «في القائم منا سنن من الأنبياء وأما من ابراهيم فخفاء الولادة واعتزال الناس....»(٢) .

وروي عن الإمام الحسين عليه السلام أنه قال: « في التاسع من ولدي سنّة من يوسف وسنّة من موسى بن عمران وهو قائمنا أهل البيت يصلح الله أمره في ليلة واحدة»(٣) .

وروى الكليني في الكافي بسنده عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال ـ في حديث ـ : « انظروا من خفي (عمي) على الناس ولادته فذاك صاحبكم، إنه ليس منا أحد يُشار إليه بالأصابع ويمضغ بالألسن إلا مات غيضاً أو رغم أنفه »(٤) .

والأحاديث بهذا المعنى كثيرة والكثير منها مروي بأسانيد صحيحة تخبر صراحة ـ وقبل وقوع ولادة الإمام المهدي عليه السلام ـ بخفائها، وفي ذلك دلالة وجدانية صريحة على صحتها حتى لو كان في أسانيد بعضها ضعف أو مجهولية لأنها أخبرت عن شيء قبل وقوعه ثم جاء الواقع مصدقاً لما أخبرت عنه، وهذا ما لا يمكن صدوره إلا من جهة علام الغيوب تبارك وتعالى الأمر الذي يثبت صدورها عن ينابيع الوحي وبإخبار من الرسول الأكرم صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم .

ـــــــــــ

(١) كمال الدين : ٣٠٣.

(٢) كمال الدين : ٣٢١ ـ ٣٢٢.

(٣) كمال الدين : ٣١٦.

(٤) الكافي: ١/ ٢٧٦.