وتمثّلت هذه الخطوة بإخبار الإمام عليه السلام شيعته بأنّ المهدي المنتظر عليه السلام قد وُلد، وحاول نشر هذا الخبر بين شيعته بكلّ تحفّظ.

ولدينا ثمانية عشر حديثاً يتضمّن كلّ منها سعي الإمام عليه السلام لنشر خبر الولادة بين شيعته وأوليائه، وهي ما بين صريح وغير صريح قد اكتفى فيه الإمام عليه السلام بالتلميح حسب ما يقتضيه الحال.

فمنها الخبر الذي صرّح فيه الإمام الحسن عليه السلام بعلّتين لوضع بني العباس سيوفهم على أهل البيت عليهم السلام واغتيالهم من دون أن يكونوا قد تصدّوا للثورة العلنية عليهم حيث جاء فيه:

فسعوا في قتل أهل بيت رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وإبادة نسله طمعاً منهم في الوصول إلى منع تولّد القائم أو قتله، فأبى الله أن يكشف أمره لواحد منهم إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون »(٥) .

ــــــــــــ

(١) كمال الدين: ٢/٤٢٤.

(٢) الكافي: ١/٣٣٠.

(٣) كمال الدين: ٢/٤٣٤.

(٤) كمال الدين: ٢/٤٣٠ و ٤٣١.

(٥) إثبات الهداة: ٣/٥٧٠.


وقد تضمّن هذا الحديث الإخبار بولادته خفيةً ليتم الله نوره.

ومنها ما حدّث به سعد بن عبد الله عن موسى بن جعفر بن وهب البغدادي أنه خرج توقيع من أبي محمد عليه السلام جاء فيه:«زعموا أنهم يريدون قتلي ليقطعوا هذا النسل، وقد كذّب الله عزّ وجل قولهم والحمد لله» (١) .

وحين قتل الزبيري قال الإمام عليه السلام في توقيع خرج عنه:«هذا جزاء من اجترأ على الله في أوليائه، يزعم أنه يقتلني وليس لي عَقب، فكيف رأى قدرة الله فيه؟!» (٢) .

وعن أحمد بن إسحاق بن سعد أنه قال: سمعت أبا محمد الحسن بن علي العسكري عليهما‌ السلام يقول:«الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى أراني الخلف من بعدي، أشبه الناس برسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم خَلقاً وخُلقاً، يحفظه الله تبارك وتعالى في غيبته ثم يُظهره الله فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت جوراً وظُلماً» (٣) .

وعن أحمد بن الحسن بن إسحاق القمي قال: لمّا ولد الخلف الصالح عليه السلام ورد عن مولانا أبي محمد الحسن بن علي إلى جديّ أحمد بن إسحاق كتاب فإذا فيه مكتوب بخط يده عليه السلام الذي كانت ترد به التوقيعات عليه وفيه:«ولد لنا مولود فليكن عندك مستوراً وعن جميع الناس مكتوماً فإنا لم نظهر عليه إلاّ الأقرب لقرابته والوليّ لولايته...» (٤) .

وفي سنة سبع وخمسين ومئتين خرج عيسى بن مهدي الجوهري مع جماعة إلى سامراء بعد أن كانوا قد زاروا قبر الحسين عليه السلام بكربلاء وقبر أبي الحسن وأبي جعفر الجواد في بغداد وبشّرهم إخوانهم المجاورون لأبي الحسن وأبي محمد عليهما‌ السلام في سرّ من رأى بولادة المهدي عليه السلام ، فدخلوا على

ــــــــــــ

(١) كمال الدين: ٢/٤٠٧.

(٢) الكافي: ١/٣٢٩.

(٣) كمال الدين: ٢/٤١٨.

(٤) كمال الدين: ٢/٤٣٣.


أبي محمد عليه السلام للتهنئة، وأجهروا بالبكاء بين يديه قبل التهنئة وهم نيّف وسبعون رجلاً من أهل السواد فقال لهم الإمام عليه السلام ـ من جملة ما قال: ـ

(إن البكاء من السرور من نعم الله مثل الشكر لها) ثم أراد عيسى بن مهدي الجوهري أن يتكلم فبادرهم الإمام عليه السلام قبل أن يتكلّموا، فقال:(فيكم من أضمر مسألتي عن ولدي المهدي عليه السلام وأين هو؟ وقد استودعته الله كما استودعت أم موسى موسى عليه السلام ) ... فقالت طائفة: إي والله يا سيّدنا لقد كانت هذه المسألة في أنفسنا»(١) .

وقد أمر الإمام عليه السلام بعض وكلائه بأن يعقّوا عن ولده المهدي عليه السلام ويطعموا شيعته، والعقيقة له إخبار ضمني بولادته عليه السلام . بل جاء التصريح في بعضها بالولادة حيث كتب لبعضهم ما نصّه:«عقّ هذين الكبشين عن مولاك وكل هنّأك الله وأطعم إخوانك...» (٢) .