ولما رأى المهتدي أنّ وسائل النفي والإبعاد والمصادرة، لم تكن لتحدّ من نشاط الإمام عليه السلام وشيعته، واتّساع حركته، لما كان لتعليمات الإمام عليه السلام ورقابته لشيعته من أثر في إفشال محاولات السلطة العباسيّة لم تجد السلطة بُدّاً من اعتقال الإمام عليه السلام والتضييق عليه في السجن، وكان المتولي لِسجنه صالح بن وصيف الذي أمر المهتدي موسى بن بغا التركي بقتله، وقد جاءه العباسيّون إبان اعتقال الإمام عليه السلام فقالوا له: ضيّق عليه ولا توسّع، فقال صالح: «ما أصنع به قد وكّلت به رجلين، شرّ من قدرت عليه فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام إلى أمر عظيم»، ثمّ أمر بإحضار الموكلين فقال لهما: ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل ؟ ـ يعني الإمام الحسن العسكري عليه السلام ـ فقالا له: ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله لا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة فإذا نظر إلينا أرعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا فلمّا سمع العباسيّون ذلك انصرفوا خائبين(١) .

ــــــــــــ

(١) أصول الكافي: ١/٥١٢ ح ٢٣ وعنه في الإرشاد: ٢/٣٣٤ وفي إعلام الورى: ٢/١٥٠ وعن الإرشاد في كشف الغمة: ٣/٢٠٤.


لقد كان المهتدي يهدّد الإمام بالقتل وقد بلغ النبأ بعض أصحاب الإمام عليه السلام فكتب إليه: يا سيدي الحمد لله الذي شغله عنك فقد بلغني أنه يتهددك. وذلك حين انشغل المهتدي بفتنة الموالي، وعزم على استئصالهم. وهنا نجد الإجابة الدقيقة من الإمام عليه السلام حول مستقبل المهتدي حيث كتب الجواب ما يلي:ذاك أقصر لعمره، عدّ من يومك هذا خمسة ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف يمرّ به (١) . وكان كما قال فقد انهزم جيشه ودخل سامراء وحده مستغيثاً بالعامة منادياً يامعشر المسلمين: أنا أمير المؤمنين قاتلوا عن خليفتكم، فلم يجبه أحد(٢) .

وقال أبو هاشم الجعفري: كنت محبوساً مع الحسن العسكري في حبس المهتدي بن الواثق فقال لي:في هذه الليلة يبتر الله عمره ، فلمّا أصبحنا شغب الأتراك وقُتل المهتدي وولّي المعتمد مكانه (٣) .