اتّسم سلوك الإمام الهادي عليه السلام طوال فترة إمامته بالتجنّب من أيّة إثارة للسلطة بدءاً بما فرض عليه من مُؤدّب يتولّى أمره ، ثم الاستجابة لدعوة المتوكل واستقدامه إلى سامراء وفسح المجال للتفتيش الذي قد تكرّر في المدينة وسامراء ، بل تعدّى ذلك إلى


تطمين المتوكل بأنّ الإمام عليه السلام لا يقصد الثورة عليه حين استعرض المتوكل قوّاته وقدرته العسكرية وأحضر الإمام في هذا الاستعراض ليطلعه على ما يملكه من قوّة لئلاّ يفكّر واحد من أهل بيته عليهم السلام بالخروج على الخليفة وإذا بالإمام الهادي عليه السلام يجيبه بأنّا لا نناقشكم في الدنيا نحن مشتغلون بأمر الآخرة فلا عليك شيء ممّا تظن(١) .

ولم يحصل المتوكل على أيّ مستمسك ضدّ الإمام بالرغم من التفتيش المفاجئ والمتكرّر .

وقد لاحظنا كيف يتجنّب الإمام عليه السلام مثل هذه الإثارات إلى جانب تقديمه للنصح والإرشاد والموعظة للمتوكل .

ــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٥٠/١٥٥ .


روى ابن شهرآشوب بإسناده عن أبي محمد الفحّام أنّه قال : سأل المتوكل ابن الجهم مَن أشعر الناس ؟ فذكر الجاهلية والإسلام ثم أنّه سأل أبا الحسن عليه السلام ، فقال عليه السلام الحمّاني حيث يقول :

لقد فاخرتنا من قريش عصابة

بمدّ خدود وامتداد أصابع

فلمّا تنازعنا المقال قضى لنا

عليهم بما نهوى نداء الصوامع

ترانا سكوتاً والشّهيد بفضلنا

عليهم جهير الصوت في كل جامع

فإنّ رسول الله أحمد جدّنا

ونحن بنوه كالنجوم الطوالع

قال : وما نداء الصوامع يا أبا الحسن ؟

قال : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله جدّي أم جدّك ؟

فضحك المتوكل ثم قال : هو جدّك لا ندفعك عنه(١) .

ولم يبخل الإمام الهادي عليه السلام بالإجابة العلمية فيما كان يشكل عليهم أمره كما لاحظنا ، بل تعدّى ذلك الى وصف دواء ناجع لداء عدوّه المتوكل حين أيس من معالجات أطبّائه بالرغم من تظاهره بالعداء للعلويين (٢) .