[ 161 ]


ومن خطبة له(عليه السلام)
[في صفة النبي وأهل بيته وأتباع دينه]
[وفيها يعظ بالتقوى]
[الرسول وأهله وأتباع دينه]


  ابْتَعَثَهُ بِالنُّورِ الْمُضِىءِ، وَالْبُرهَانِ الْجَليِّ، وَالْمِنْهَاجِ الْبَادِي
(1)، وَالْكِتَابِ الْهَادِي.
  أُسْرَتُهُ خَيْرُ أُسْرَة، وَشَجَرَتُهُ خَيْرُ شَجَرَة، أَغصَانُهَا مُعْتَدِلَةٌ، وَثِمَارُهَا مُتَهَدِّلَةٌ
(2).
  مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ، وَهِجْرَتُهُ بِطَيْبَةَ
(3)، عَلا بِهَا ذِكْرُهُ، وَامْتَدَّ مِنْهَا صَوْتُهُ.
  أَرْسَلَهُ بِحُجَّة كَافِيَة، وَمَوْعِظَة شَافِية، وَدَعْوَة مُتَلافِيَة
(4).
  أَظْهَرَ بِهِ الشَّرائِعَ الْـمَجْهُولَةَ، وَقَمَعَ بِهِ الْبِدَعَ الْمَدْخُولَةَ، وَبَيَّنَ بِهِ الاَْحْكَامَ الْمَفْصُولَةَ
(5).
  فَـ
(مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الاسْلامِ دِيناً) تَتَحَقَّقْ شِقْوَتُهُ، وَتَنْفَصِمْ عُرْوَتُهُ، وَتَعْظُمْ كَبْوَتُهُ(6)، وَيَكُنْ مَآبُهُ(7) إلَى الْحُزْنِ الطَّوِيلِ وَالْعَذَابِ الْوَبيلِ
  وَأَتَوَكَّلُ عَلَى اللهِ تَوَكُّلَ الانَابَةِ
(8) إلَيْهِ، وَأَسْتَرْشِدُهُ السَّبِيلَ المُؤَدِّيَةَ إلى جَنَّتِهِ، الْقَاصِدَةَ إلى مَحَلِّ رَغْبَتِهِ.
____________
  1. المنهاج البادي: أي الظاهر.
  2. متهدّلة: متدلّية، دانية للاقتطاف.
  3. طَيْبة: المدينة المنورة
  4. مُتلافية: من تلافاه تداركه بالاصلاح قبل أن يهلكه الفساد، فدعوة النبي تلافت أمور الناس قبل هلاكهم.
  5. المفصولة: التي فصلها الله أي قضى بها على عباده.
  6. الكَبْوَة: السقطة.
  7. المآب: المرجع. 8. الاِنابة: الرجوع
 


[النصح بالتّقوى]


  أُوصِيكُمْ عِبَادَاللهِ، بِتَقْوَى اللهِ وَطَاعَتِهِ، فَإنَّهَا النَّجَاةُ غَداً، وَالْمَنْجَاةُ أَبَداً. رَهَّبَ فَأبْلَغَ، وَرَغَّبَ فَأَسْبَغَ
(1)، وَوَصَفَ لَكُمُ الدُّنْيَا وَانْقِطَاعَهَا، وَزَوَالَهَا وَانْتِقَا لَهَا.
  فَأَعْرِضُوا عَمَّا يُعْجِبُكُمْ فِيهَا لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكُمْ مِنْهَا، أَقْرَبُ دَار مِنْ سَخَطِ اللهِ، وَأَبْعَدُهَا مِنْ رِضْوَانِ اللهِ! فَغُضُّوا عَنْكُمْ ـ عِبَادَاللهِ ـ غُمُومَهَا وَأَشْغَا لَهَا، لِمَا قَدْ أَيْقَنْتُمْ بِهِ مِنْ فِرَاقِهَا وَتَصَرُّفِ حَالاَتِهَا.
  فَاحْذَروُهَا حَذَرَ الشَّفِيقِ النَّاصِحِ
(2)، وَالْـمُجِدِّ الْكَادِحِ(3)، وَاعْتَبِرُوا بِمَا قَدْ رَأَيْتُمْ مِنْ مَصَارعِ الْقُرُونِ قَبْلَكُمْ: قَدْ تَزَايَلَتْ أَوْصَالُهُمْ(4)، وَزَالَتْ
____________
  1. أسْبَغَ: أي أحاط بجميع وجوه الترغيب.
  2. الشفيق: الخائف. والناصح: الخالص.
  3. الكادح: المُبَالغ في سعْيه.
  4. تزايلت: تفرّقت. والاوْصال: مجتمع العظام. وتفرقها كناية عن تبدد القوم وفنائهم.



أسْمَاعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ، وَذَهَبَ شَرَفُهُمْ وَعِزُّهُمْ، وَانْقَطَعَ سُرُورُهُمْ وَنَعِيمُهُمْ; فَبُدِّلُوا بِقُرْبِ الاَوْلاَدِ فَقْدَهَا، وَبِصُحْبَةِ الاَزْوَاجِ مُفَارَقتَهَا. لاَ يَتَفَاخَرُونَ، وَلاَ يَتَنَاصَرُونَ، وَلاَ يَتَنَاسَلُونَ، وَلاَ يَتَزَاوَرُونَ، وَلاَ يَتَجَاوَرُونَ.
  فَاحْذَروُا، عِبَادَاللهِ، حَذَرَ الْغَالِبِ لِنَفْسِهِ، الْمَانِعِ لِشَهْوَتِهِ، النَّاظِرِ بِعَقْلِهِ; فَإنَّ الاَْمْرَ وَاضِحٌ، وَالْعَلَمَ قَائِمٌ، وَالطَّرِيقَ جَدَدٌ
(1)، وَالسَّبِيلَ قَصْدٌ(2).

____________
  1. الجَدَد ـ بالتحريك ـ : المستوي المسلوك
  2. القصد: القويم.




المصدر:
نهج البلاغة