[ 120 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
[بعد ليلة الهرير]


  وقد قام رجل من أصحابه فقال: نهيتنا عن الحكومة ثمّ أمرتنا بها، فما ندري أيّ الامرين أَرشد؟
  فصفق(عليه السلام) إحدى يديه على الاخرى ثمّ قال:
  هذا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الْعُقْدَةَ!
(1) أَمَا وَاللهِ لَوْ أَنِّي حِينَ أَمَرْتُكُمْ بِما أَمَرْتُكُمْ بِهِ حَمَلْتُكُمْ عَلَى الْمَكْرُوهِ الَّذِي يَجْعَلُ اللهُ فِيهِ خَيْراً، فَإِنِ اسْتَقَمْتُمْ هَدَيْتُكُمْ وَإِنِ اعْوَجَجْتُمْ قَوَّمْتُكُمْ وَإِنْ أَبَيْتُمْ تَدَارَكْتُكُمْ، لَكَانَتِ الْوُثْقَى، وَلكِنْ بِمَنْ وَإِلَى مَنْ؟ أُرِيدُ أَنْ أُدَاوِيَ بِكُمْ وَأَنْتُمْ دَائي، كَنَاقِشِ الشَّوْكَةِ بِالشَّوْكَةِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ضَلْعَهَا(2) مَعَهَا!
  اللَّهُمَّ قَدْ مَلَّتْ أَطِبَّاءُ هذَا الدَّاءِ الدَّوِيِّ
(3)، وَكَلَّتِ النَّزْعَةُ(4) بِأَشْطَانِ الرَّكِيِّ(5)!
  أَيْنَ الْقَوْمُ الَّذِينَ دُعُوا إِلَى الاِسْلاَمِ فَقَبِلُوهُ؟ وَقَرَأُوا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ؟
____________
  1. يريد «بالعقدة» ماحصل عليه التعاقد.
  2. الضَلْع ـ بفتح الضاد وتسكين اللام ـ : المَيْل. وأصل المثل: «لا تنقش الشوكة بالشوكة، فان ضَلْعها معها» يُضْرَبُ للرجل يخاصم آخر ويستعين عليه بمن هو من قرابته أو أهل مَشْرَبه. ونَقش الشوكة: إخراجها من العضو تدخل فيه.
  3. الدّاء الدّوِيّ ـ بفتح فكسر ـ : المؤلم الشديد. وقد وُصِف بما هو من لفظه.
  4. كلّت: ضعفت. والنزعة: جمع نازع.
  5. الاشْطَان: جمع شَطَن، وهو الحبل. والرّكِيّ: جمع رَكِيّة، وهي البئر.



وَهِيجُوا إِلى الْجِهَادِ فَوَلَّهُوا اللِّقَاحَ
(1) أَوْلاَدَهَا، وَسَلَبُوا السُّيُوفَ أَغْمَادَهَا، وَأَخَذُوا بِأَطْرَافِ الاَْرْضِ زَحْفاً زَحْفاً وَصَفّاً صَفّاً؟! بَعْضٌ هَلَكَ، وَبَعْصٌ نَجَا.
  لاَيُبَشَّرُونَ بِالاَْحْيَاءِ
(2)، وَلاَ يُعَزَّوْنَ عَنِ الْمَوْتَى(3)، مُرْهُ الْعُيُونِ(4) مِنَ الْبُكَاءِ، خُمْصُ الْبُطُونِ(5) مِنَ الصِّيَامِ، ذُبُلُ الشِّفَاهِ(6) مِنَ الدُّعَاءِ، صُفْرُ الاَْلْوَانِ مِنَ السَّهَرِ، عَلَى وَجُوهِهمْ غَبَرَةُ الْخَاشِعيِنَ، أُولئِكَ إِخْوَاني الذَّاهِبُونَ، فَحَقَّ لَنَا أَنْ نَظْمَأَ إِلَيْهِمْ وَنَعَضَّ الاَْيْدِيَ عَلَى فِرَاقِهمْ!
  إِنَّ الشَّيْطَانَ يُسَنِّي
(7) لَكُمْ طُرُقَهُ، وَيُرِيدُ أَنْ يَحُلَّ دِينَكُمْ عُقْدَةً عُقْدَةً،
____________
  1. اللِّقاح: جمع لَقُوح، وهي الناقة.
  2. لا يُبَشّرُون بالاحياء: إذا قيل لهم: نجا فلان فبقي حياً لايفرحون، لان أفضل الحياة عندهم الموت في سبيل الحق.
  3. لا يُعَزّوْن عن المَوْتى: لا يحزنون إذا قيل لهم: مات فلان، فان الموت عندهم حياة السعادة الابدية.
  4. مُرْهُ العيون: جمع أمْرَه، وهو على صيغة أفعَل الذي يجمع على فُعْل، كأحمر وحُمر، مأخوذ من «مَرَهَتْ عَيْنُهُ» إذا فسدت أو ابيضّت حَمَاليقُها.
  5. خُمْص البطون: ضَوَامِرُها.
  6. ذَبُلَتْ شفَتُهُ: جَفّت وَيبِستْ لذهاب الرّيق.
  7. يُسَنّي: يُسَهّل.



وَيُعْطِيَكُمْ بَالْجَمَاعَةِ الْفُرْقَةَ، وَبِالْفُرْقَةِ الْفَتْنَةَ; فَاصْدِفُوا
(1) عَنْ نَزَغَاتِهِ(2) وَنَفَثَاتِهِ، وَاقْبَلُوا النَّصِيحَةَ مِمَّنْ أَهْدَاهَا إِلَيْكُمْ، وَاعْقِلوهَا(3) عَلَى أَنْفُسِكُمْ.

 
____________
  1. فاصْدِفُوا: فأعْرِضُوا.
  2. نَزَغاته: وساوسه.
  3. اعْقِلُوها: احبسوها على أنفسكم لا تتركوها فتضيعَ منكم.




المصدر:
نهج البلاغة