لقد أدرك أبو سلمة الخلاّل أحد الدعاة العباسيين النشطين في الكوفة والذي لعب دوراً متميّزاً في نجاح الدعوة العباسية وتكثير أنصارها في الكوفة ؛ وذلك لما امتاز به من لياقة وعلم ودهاء ، وثراء حيث أنفق من ماله الخاص على رجال الدعوة العباسية ، وكانت له علاقة خاصة واتصالات مستمرّة مع إبراهيم الإمام ، وأدرك بعد موت إبراهيم الإمام بأنّ الأمور تسير على خلاف ما كان يطمح إليه أو لعلّه كان قد تغيّر هواه واستجدّ في نفسه شيء ، ولاحظ أنّ مستقبل الخلافة سيكون إلى أبي العباس أو المنصور وهما غير جديرين بالخلافة أو لطمعه بالسلطة ، نراه يكتب للعلويين وفي مقدّمتهم الإمام الصادق عليه السلام بأنّه يريد البيعة لهم .

لكنّنا لا نفهم من رسالة ـ أبي سلمة ـ للإمام عليه السلام بأنّها رسالة ندم أو

ـــــــــــــــــ

(١) إبراهيم (١٤) : ٤٦ .

(٢) الكافي : ٨ / ٢١٠ .


اعتراض على النهج العباسي وخديعتهم للعلويين أو إدانة أساليبهم في الاستيلاء على السلطة .

نعم ، إنّ الّذي نجده عند مشهور المؤرّخين(١) هو أنّ أبا سلمة الخلال أراد نقل الخلافة إلى العلويين ولم يوفّق لذلك .

ونجد في جواب الإمام عليه السلام على رسالة أبي سلمة : أنّ الإمام عليه السلام قد رفض العرض لا بسبب كون الظروف قلقة وغير مؤاتية فحسب ، بل كان الرفض يشمل أبا سلمة نفسه حيث قال :( مالي ولأبي سلمة وهو شيعة لغيري ) (٢) .

وأكّد الإمام عليه السلام رفضه القاطع عندما قام بحرق الرسالة التي بعثها له أبو سلمة جواباً لأبي سلمة:

قال المسعودي : كاتب أبو سلمة الخلاّل ثلاثة من أعيان العلويين وهم جعفر بن محمد الصادق عليه السلام وعمر الأشرف بن زين العابدين ، وعبد الله المحض ، وأرسل الكتب مع رجل من مواليهم يسمى محمد بن عبد الرحمن ابن أسلم مولىً لرسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وقال أبو سلمة للرسول : العجل العجل فلا تكونن كواقد عاد وقال له : اقصد أولاً جعفر بن محمد الصادق فإن أجاب فأبطل الكتابين الآخرين ، وإن لم يجب فالق عبد الله المحض فإن أجاب فأبطل كتاب عمر وإن لم يجب فالق عمر .

فذهب الرسول إلى جعفر بن محمد أولاً ، ودفع إليه كتاب أبي سلمة فقال الإمام عليه السلام :( مالي ولأبي سلمة وهو شيعة لغيري ؟! فقال له الرجل : اقرأ الكتاب ، فقال لخادمه :ادن السراج منّي ، فأدناه ، فوضع الكتاب على

ـــــــــــــــــ

(١) تاريخ الأمم والملوك : ٩ / ١٢٤ وابن قتيبة : ١٢٨ ، والطقطقي : ١٢٧ .

(٢) مروج الذهب : ٣ / ٢٥٤ ، والآداب السلطانية : ١٣٧ .


النار حتى احترق ، فقال الرسول : ألا تجبه ؟ قال عليه السلام :قد رأيت الجواب عرّف صاحبك بما رأيت ) (١)