النظام الاجتماعي في داخل الجماعة الصالحة يقوم على أساس وحدة التصورات والمبادئ، ووحدة الموازين والقيم، ووحدة الشرائع والقوانين، ووحدة الأوضاع والتقاليد، لأنّ مجموع الجماعة الصالحة تتلقى منهج حياتها من جهة واحدة وهي أهل البيت عليهم السلام ، وتجمعها وحدة الطريقة التي تتلقى بها، ووحدة المنهج الذي تفهم به ما تتلقى من أفكار وعواطف وممارسات.

والنظام الاجتماعي قائم على أساس القاعدة الثابتة، وهي قول الإمام

ــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة: ١٢ / ١٢٦.

(٢) المصدر السابق: ١٢ / ١٢٧.

(٣) المحاسن: ٩٨.


الباقر عليه السلام :(المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه) (١) .

فقد جعل العلاقة بين أفراد الجماعة الصالحة كالعلاقة النسبية التي تترتب عليها حقوق وواجبات، كالسعي في حوائج المؤمنين، وتفريج كربهم، والنصيحة لهم، والدعاء لهم بالتوفيق، وستر عيوبهم(٢) .

والعلاقة القائمة تنطلق من الإيثار وتحكيم الحق في النفس، قال عليه السلام :(إن لله جنة لا يدخلها إلاّ ثلاثة أحدهم من حكم في نفسه بالحقّ) (٣) .

ويقوم النظام الاجتماعي على قاعدة تعظيم وتوقير أفراد الجماعة الصالحة لكي يتعمّق الودّ والإخاء، قال عليه السلام :(عظموا أصحابكم ووقّروهم ولا يتجهم بعضكم بعضاً، ولا تضارّوا ولا تحاسدوا، وإياكم والبخل، وكونوا عباد الله المخلصين) (٤) .

وحثّ الإمام عليه السلام على إشاعة الودّ والمحبّة من خلال ممارسات متنوّعة، قال عليه السلام :(تبسّم الرجل في وجه أخيه حسنة، وصرف القذى عنه حسنة، وما عبد الله بشيء أحبّ إلى الله من إدخال السرور على المؤمن) (٥) .

ووضع مجموعة من الحقوق المتبادلة عليهما فقال:(من حقّ المؤمن على أخيه المؤمن أن يشبع جوعته ويواري عورته ويفرّج عنه كربته ويقضي دينه، فإذا مات خلفه في أهله وولده) (٦) .

وحثّ على العوامل التي تؤدي إلى التقريب بين القلوب وتزيد في

ــــــــــــــ

(١) الكافي: ٢ / ١٦٦.

(٢) الكافي: ٢ / ١٩٨، ١٩٩، ٢٠٥، ٢٠٧، ٢٠٨.

(٣) وسائل الشيعة: ١٥ / ٢٨٥.

(٤) الكافي: ٢ / ١٧٣.

(٥) المصدر السابق: ٢ / ١٨٨.

(٦) المصدر السابق: ٢ / ١٦٩.


الإخوة والتآلف والتآزر. عن أبي حمزة الثمالي قال: زاملت أبا جعفر عليه السلام فحططنا الرحل، ثم مشى قليلاً، ثم جاء فأخذ بيدي فغمزها غمزة شديدة، فقلت: جعلت فداك أو ما كنت معك في المحمل ؟ ! فقال:(أما علمت أنّ المؤمن إذا جال جولة ثم أخذ بيد أخيه نظر الله إليهما بوجهه، فلم يزل مقبلاً عليهما بوجهه، ويقول للذنوب: تتحاتَّ عنهما، فتتحاتّ ـ يا أبا حمزة ـ كما يتحاتُّ الورق عن الشجر، فيفترقان وما عليهما من ذنب) (١) .

وقال عليه السلام :(ينبغي للمؤمنين إذا توارى أحدهما عن صاحبه بشجرة ثم التقيا أن يتصافحا) (٢) .

وروى عن رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم قوله:(إذا التقيتم فتلاقوا بالتسليم والتصافح، وإذا تفرّقتم فتفرّقوا بالاستغفار) (٣) .

وحثّ عليه السلام على تبادل الزيارات لأنها تؤدي إلى تجذر روح الإخاء وزرع الودّ في القلوب والنفوس، ورغّب فيها بتبيان آثارها الايجابية على المتزاورين، حين قال:(أيّما مؤمن خرج إلى أخيه يزوره عارفاً بحقّه كتب الله له بكلّ خطوة حسنة، ومحيت عنه سيئة، ورفعت له درجة، وإذا طرق الباب فتحت له أبواب السماء، فإذا التقيا وتصافحا وتعانقا أقبل الله عليهما بوجهه، ثم باهى بهما الملائكة، فيقول: انظروا إلى عبدي تزاورا وتحابا فيَّ، حقٌّ عليَّ ألاّ أعذبهما بالنار بعد هذا الموقف، فإذا انصرف شيّعه الملائكة عدد نفسه وخطاه وكلامه، يحفظونه من بلاء الدنيا وبوائق الآخرة إلى مثل تلك الليلة من قابل، فإن مات فيما بينهما اُعفي من الحساب، وان كان المزور

ــــــــــــــ

(١) الكافي: ٢ / ١٨٠.

(٢) المصدر السابق: ٢ / ١٨١.

(٣) المصدر السابق.


يعرف من حقّ الزائر ما عرفه الزائر من حقّ المزور ; كان له مثل أجره) (١) .

ونهى عليه السلام عن جميع الممارسات التي تؤدّي إلى الكراهية والتنافر والتقاطع كالغيبة والبهتان والتحقير والتعيير والتنابز بالألقاب، والسباب، والاعتداء على الأموال والأعراض وغير ذلك.

ودعا إلى الإصلاح بين المؤمنين وحثّهم على التآلف فقال عليه السلام :(إن الشيطان يغري بين المؤمنين ما لم يرجع أحدهم عن دينه، فإذا فعلوا ذلك استلقى على قفاه وتمدّد، ثم قال: فزت، فرحم الله امرئً أ لّف بين وليّين لنا، يا معشر المؤمنين تألّفوا وتعاطفوا) (٢) .

ونهى عليه السلام عن إحصاء عثرات الآخرين وزلاتهم، فقال:(إن أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يؤاخي الرّجل الرّجل على الدين، فيحصي عليه عثراته وزلاّته ليعنّفه بها يوماً ما) (٣) .

ونهى عن الطعن بالمؤمنين ونبزهم بالكفر فقال:(ما شهد رجل على رجل بكفر قطّ إلاّ باء به أحدهما، إن كان شهد به على كافر صدق، وإن كان مؤمناً رجع الكفر عليه، فإيّاكم والطعن على المؤمنين) (٤) .

ونهى عن النميمة فقال:(محرّمة الجنّة على القتّاتين المشائين بالنميمة) (٥) .

ونهى عليه السلام عن الإذاعة وكشف الأسرار الخاصّة بالمؤمنين فقال:(يحشر العبد يوم القيامة وما ندى دماً، فيدفع إليه شبه المحجمة أو فوق ذلك، فيقال له: هذا سهمك من دم فلان، فيقول: يا ربّ إنّك لتعلم أنّك قبضتني وما سفكت دماً.

ــــــــــــــ

(١) الكافي: ٢ / ١٨٣، ١٨٤.

(٢) المصدر السابق: ٢ / ٣٤٥.

(٣) المصدر السابق: ٢ / ٣٥٥.

(٤) المصدر السابق: ٢ / ٣٦٠.

(٥) المصدر السابق: ٢ / ٣٦٩.


فيقول: بلى سمعت من فلان رواية كذا وكذا، فرويتها عليه فنقلت حتّى صارت إلى فلان الجبّار فقتله عليها وهذا سهمك من دمه) (١) .