إنّ مقاطعة الحاكم الجائر هي إحدى الخصائص التي اختص بها أئمة أهل البيت عليهم السلام ، وقد كانت إرشادات وأوامر الإمام الباقر عليه السلام إلى أفراد الجماعة الصالحة تؤكد على المقاطعة في جميع صورها، لأنّ العمل مع الجائر يؤدي إلى احتمالات واقعية، هي:

أ ـ تقويته ودعم أركان دولته المنحرفة.

ب ـ ممارسة الأعمال المنحرفة التي يمليها الواقع المنحرف.

ت ـ تأثر العامل معه ـ في بعض الأحيان ـ بالإغراء المتنوع، بالأموال والمناصب والجاه، وقد يؤدي هذا إلى التخلي عن الانتماء إلى الجماعة الصالحة.

ث ـ تحول العامل إلى عدو للجماعة الصالحة في بعض الأحيان.

ولهذا أمر عليه السلام بمقاطعة الحاكم الجائر(١) . وجعل العمل مع الجائر دليلاً على كراهية الجنّة، تشديداً منه على عدم الدخول معه في الأعمال. عن عقبة ابن بشير الأسدي، قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام فقلت له: إني من الحسب الضخم من قومي، وإنّ قومي كان لهم عريف فهلك، فأرادوا أن يعرفوني عليهم، فما ترى لي ؟

قال عليه السلام :(فإن كنت تكره الجنة وتبغضها، فتعرّف على قومك، يأخذ سلطان جائر بامرئ مسلم يسفك دمه، فتشركهم في دمه، وعسى أن لا تنال من دنياهم شيئاً) (٢) .

وعلى الرغم من أوامره في مقاطعة الحاكم الجائر إلاّ انّه راعى المصلحة الإسلامية العليا في موارد عديدة، فجوّز عليه السلام بيع السلاح أو حمله إلى أتباع السلطان(٣) للمساهمة في ردّ أعداء الكيان الإسلامي، ولإثبات حسن التعامل للحاكم إن سمع أو لاحظ هذه الإسناد.

وكان عليه السلام لا يمتنع إن دعاه الحاكم للقاء به، ولا يمنع أصحابه من ذلك، حفاظاً على أمنهم، لأنّ التمرد على طلبه قد يؤدي إلى كشف نواياهم في المعارضة وعدم الرضى بحكمه.

ولم يمنع عليه السلام أفراد الجماعة الصالحة من المشاركة في الغزوات التي كان يقودها حكّام الجور المسلمون في مختلف الأزمان.

ــــــــــــــ

(١) كفاية الأثر: ٢٥١.

(٢) رجال الكشي: ٢٠٤.

(٣) الكافي: ٥ / ١١٢.


٤ ـ مراعاة المستويات المختلفة راعى الإمام عليه السلام في أوامره وتعليماته، وفي إشراك أفراد الجماعة الصالحة في النشاطات والأعمال المختلفة، تفاوت مستويات الأفراد المختلفة من حيث الطاقات والإمكانيات، ومن حيث الوعي والإدراك، ودرجة التحمّل، والقدرة على أداء الواجب أو الاستمرار في الأعمال، وحدّد لكل فرد مستواه ; لكي يكلّف بقدر مستواه.

عن سدير قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام :(إن المؤمنين على منازل، منهم على واحدة، ومنهم على اثنين، ومنهم على ثلاث، ومنهم على أربع، ومنهم على خمس، ومنهم على ست، ومنهم على سبع، فلو ذهبت تحمّل على صاحب الواحدة ثنتين لم يقو، وعلى صاحب الثنتين ثلاثاً لم يقو، وعلى صاحب الثلاث أربعاً لم يقو ...) (١) .

وكذا الحال في إعطاء الأسرار المتعلقة بالفضائل والكرامات لأهل البيت عليهم السلام أو الأسرار السياسية، فلكل فرد حسب طاقته العقلية والعاطفية والبدنية.

ثامناً: الإمام الباقر عليه السلام والنظام الاقتصادي للجماعة الصالحة

للاقتصاد دور كبير في حركة الأمم والجماعات، من حيث النمو والثبات والتكامل، ومدّها بالقدرة على مواجهة الصعاب التي تقع في طريق النمو والتكامل، فهو أحد العوامل الأساسية في بناء الحضارات ورفدها بأسس البقاء والاستمرار، حتى إن الإسلام في جميع مراحله لم يحقق أهدافه القريبة أو البعيدة إلاّ بالاستعانة بالاقتصاد، وبالمال الذي هو العصب الأساسي له.

ــــــــــــــ

(١) الكافي: ٢ / ٤٥.


وأكّد الإمام الباقر عليه السلام في توجيهاته وإرشاداته للجماعة الصالحة على أهمية المال في نجاح أعمالها، واستقامة شؤونها، وقوة كيانها، فقال عليه السلام :(... هي الدنانير والدراهم خواتيم الله في أرضه، جعلها الله مصلحة لخلقه، وبه تستقيم شؤونهم ومطالبهم) (١) .