إن الظروف المحيطة بالإمام عليه السلام وبالجماعة الصالحة جعلت الإمام عليه السلام يأمر بكتمان الأسرار، قال عليه السلام :(اكتموا أسرارنا ولا تحمّلوا الناس على أعناقنا) (٢) .

والجماعة الصالحة محاطة بجماعات وتيارات وأجهزة أمنية تتابع أقوالها وأفعالها وممارساتها العملية، وتستثمر الثغرات والفرص المتاحة لتشويه سمعتها في عقيدتها وفي أحكامها وفي سلوكها، وتحجيم دورها في الحياة ; ولهذا فهي بحاجة إلى عناية إضافية بكتمان الأسرار، سواء كانت ممّا يتعلق بفضائل ومكارم أهل البيت عليهم السلام التي لا تتحملها عقول المخالفين، أو ممّا يتعلق بتنظيم الجماعة الصالحة من حيث العدّة والعدد، وأسماء الوكلاء، أو الطليعة المؤثرة على سير الأحداث، أو كانت من أسرار العلاقات واللقاءات، أو الأسرار السياسية المتعلقة بالبرامج والخطط الموضوعة لإصلاح وتغيير الواقع السياسي والاجتماعي، أو الأسرار المتعلقة بساعات التنفيذ وما شابه ذلك.

فالإمام عليه السلام كان يتكتم على المواقف المهمة، فحينما حرّم الدخول إلى السلاطين والتعاون معهم، كان هذا التحريم محدوداً لم يبلّغ به إلاّ المقربين منه.

وكان يخطط لثورة زيد دون أن تعلم به السلطات، ودون علم كثير من أفراد الجماعة الصالحة، وكان يكتفي بمدح شخصية زيد ليوجه الأنظار بصورة غير مباشرة إليه والى مواقفه المستقبلية.

وكان يثني على المختار مقرّاً بثورته وولائه لأهل البيت عليهم السلام ولكن في نطاق محدود أمام بعض أصحابه.

ولم يعلن عليه السلام عن إمامة الإمام الصادق عليه السلام إلاّ في نطاق محدود لمن كان يثق به ويعتمد عليه في عدم كشف السرّ إلاّ في وقته المناسب.

ــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار: ٤٦ / ٢٨٣.

(٢) المصدر السابق: ٧١ / ٢٢٥ .